قوله تعالى ﴿ وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما حذروا من القول الذي من مدلوله المحاجة عن كثرة النساء ؛ كان ربما تعلق به من يبخل عن بعض الحقوق، لا سيما ما يستكثره من الصداق، فأتبعه ما ينفي ذلك، فقال - مخاطباً للأزواج، لأن السياق لهم، معبراً بما يصلح للدفع والالتزام المهيىء له :﴿وآتوا النساء﴾ أي عامة من اليتامى وغيرهن ﴿صدقاتهن﴾، وقوله مؤكداً للإيتاء بمصدر من معناه :﴿نحلة﴾ مؤيد لذلك، لأن معناها : عطية عن طيب نفس ؛ قال الإمام أبو عبد الله القزاز في ديوانه : وأصله - أي النحل : إعطاء الشيء لا يراد به عوض وكذا إن قلنا : معنى النحلة الديانة والملة والشرعة والمذهب، أي آتوهن ذلك ديانة.
ولما وقع الأمر بذلك كان ربما أبى المتخلق بالإسلام قبول ما تسمح به المرأة منه بإبراء أو رد على سبيل الهبة - لظنه أن ذلك لا يجوز أو غير ذلك فقال :﴿فإن طبن لكم﴾ أي متجاوزات ﴿عن شيء﴾ ووحّد الضمير ليرجع إلى الصداق المفهوم من الصدقات، ولم يقل : منها، لئلا يظن أن الموهوب لا يجوز إلا إن كان صداقاً كاملاً فقال :﴿منه﴾ أي الصداق ﴿نفساً﴾ أي عن شهوة صادقة من غير إكراه ولا خديعة ﴿فكلوه﴾ أي تصرفوا فيه بكل تصرف يخصكم ﴿هنيئاً﴾ أي سائغاً صالحاً لذيذاً في عافية بلا مشقة ولا مضرة ﴿مريئاً﴾ أي جيد المغبة بهجا ساراً، لا تنغيص فيه، وربما كان التبعيض ندباً إلى التعفف عن قبول الكل، لأنه في الغالب لا يكون إلا عن خداع أو ضجر فربما أعقب الندم، وهذا الكلام يدل أيضاً على تخصيص الأحرار دون العبيد، لأنهم لا يملكون ماجعلته النساء لهم ليأكلوه هنيئاً.