﴿١ - ٨﴾ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ * فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾.
﴿الْحَاقَّةُ﴾ من أسماء يوم القيامة، لأنها تحق وتنزل بالخلق، وتظهر فيها حقائق الأمور، ومخبآت الصدور، فعظم تعالى شأنها وفخمه، بما كرره من قوله: ﴿الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾ فإن لها شأنا عظيما وهولا جسيما، [ومن عظمتها أن الله أهلك الأمم المكذبة بها بالعذاب العاجل] (١).
ثم ذكر نموذجا من أحوالها الموجودة في الدنيا المشاهدة فيها، وهو ما (٢) أحله من العقوبات البليغة بالأمم العاتية فقال: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ﴾ وهم القبيلة المشهورة سكان الحجر الذين أرسل الله إليهم رسوله صالحا عليه السلام، ينهاهم عما هم عليه من الشرك، ويأمرهم بالتوحيد، فردوا دعوته وكذبوه وكذبوا ما أخبرهم به من يوم القيامة، وهي القارعة التي تقرع الخلق بأهوالها، وكذلك عاد الأولى سكان حضرموت حين بعث الله إليهم رسوله هودا عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى عبادة الله [وحده] فكذبوه وكذبوا بما أخبر (٣) به من البعث فأهلك الله الطائفتين بالهلاك المعجل (٤) ﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ﴾ وهي الصيحة العظيمة الفظيعة، التي انصدعت منها قلوبهم وزهقت لها أرواحهم فأصبحوا موتى لا يرى إلا مساكنهم وجثثهم.
﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ﴾ أي: قوية شديدة الهبوب لها صوت أبلغ من صوت الرعد [القاصف] ﴿عَاتِيَةٍ﴾ [أي:] عتت على خزانها، على قول كثير من المفسرين، أو عتت على عاد وزادت على الحد كما هو الصحيح.
﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ أي: نحسا وشرا فظيعا عليهم فدمرتهم وأهلكتهم، ﴿فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى﴾ أي: هلكى موتى ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ أي: كأنهم جذوع النخل التي قد قطعت رءوسها الخاوية الساقط بعضها على بعض.
﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾ وهذا استفهام بمعنى النفي المتقرر.
(٢) كذا في ب، وفي أ: ومما.
(٣) في ب وأنكروا ما أخبر به.
(٤) في ب: العاجل.
﴿٩ - ١٢﴾ ﴿وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ * فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً * إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾.
أي: وكذلك غير هاتين الأمتين الطاغيتين عاد وثمود جاء غيرهم من الطغاة العتاة كفرعون مصر الذي أرسل الله إليه عبده ورسوله موسى [ابن عمران] عليه الصلاة والسلام وأراه من الآيات البينات ما تيقنوا بها الحق ولكن جحدوا وكفروا ظلما وعلوا وجاء من قبله من المكذبين، ﴿وَالْمُؤْتَفِكَاتِ﴾ أي: قرى قوم لوط الجميع جاءوا ﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾ أي: بالفعلة الطاغية وهي (١) الكفر والتكذيب والظلم والمعاندة وما انضم إلى ذلك من أنواع الفواحش (٢) والفسوق.
﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ﴾ وهذا اسم جنس أي: كل من هؤلاء كذب (٣) الرسول الذي أرسله الله إليهم. فأخذ الله الجميع ﴿أَخْذَةً رَابِيَةً﴾ أي: زائدة على الحد والمقدار الذي يحصل به هلاكهم.
ومن جملة أولئك قوم نوح أغرقهم الله في اليم حين طغى [الماء على وجه] الأرض وعلا على مواضعها الرفيعة. وامتن الله على الخلق الموجودين بعدهم أن الله حملهم ﴿فِي الْجَارِيَةِ﴾ وهي: السفينة في أصلاب آبائهم وأمهاتهم الذين نجاهم الله.
فاحمدوا الله واشكروا الذي نجاكم -[٨٨٣]- حين أهلك الطاغين واعتبروا بآياته الدالة على توحيده ولهذا قال: ﴿لِنَجْعَلَهَا﴾ أي: الجارية والمراد جنسها، ﴿لَكُمْ تَذْكِرَةً﴾ تذكركم أول سفينة صنعت وما قصتها وكيف نجى الله عليها من آمن به واتبع رسوله وأهلك أهل الأرض كلهم فإن جنس الشيء مذكر بأصله.
وقوله: ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ أي: تعقلها أولو الألباب ويعرفون المقصود منها ووجه الآية بها.
وهذا بخلاف أهل الإعراض والغفلة وأهل البلادة وعدم الفطنة فإنهم ليس لهم انتفاع بآيات الله لعدم وعيهم عن الله، وفكرهم بآيات الله (٤)
(٢) في ب: المعاصي.
(٣) في ب: كذبوا.
(٤) في ب: وتفكرهم بآياته.