﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ﴾ أي: أكثر [له] من السجود، ولا يكون ذلك إلا بالإكثار من الصلاة (١). ﴿وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا﴾ وقد تقدم تقييد هذا المطلق بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا﴾ الآية (٢) [وقوله] ﴿إِنَّ هَؤُلاءِ﴾ أي: المكذبين لك أيها الرسول بعد ما بينت لهم الآيات، ورغبوا ورهبوا، ومع ذلك، لم يفد فيهم ذلك شيئا، بل لا يزالون يؤثرون، ﴿الْعَاجِلَةَ﴾ ويطمئنون إليها، ﴿وَيَذَرُونَ﴾ أي: يتركون العمل ويهملون ﴿وَرَاءَهُمْ﴾ أي: أمامهم ﴿يَوْمًا ثَقِيلا﴾ وهو يوم القيامة، الذي مقداره خمسون ألف سنة مما تعدون، وقال تعالى: ﴿يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ فكأنهم ما خلقوا إلا للدنيا والإقامة فيها.
(١) في ب: وذلك متضمن لكثرة الصلاة.
(٢) "في ب: أكمل الآيات (نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ).
(٢) "في ب: أكمل الآيات (نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ).
﴿٢٨﴾ ثم استدل عليهم وعلى بعثهم بدليل عقلي، وهو دليل الابتداء، فقال: ﴿ {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ﴾ أي: أوجدناهم من العدم، ﴿وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ﴾ أي: أحكمنا خلقتهم بالأعصاب، والعروق، والأوتار، والقوى الظاهرة والباطنة، حتى تم الجسم واستكمل، وتمكن من كل ما يريده، فالذي أوجدهم على هذه الحالة، قادر على أن يعيدهم بعد موتهم لجزائهم، والذي نقلهم في هذه الدار إلى هذه الأطوار، لا يليق به أن يتركهم سدى، لا يؤمرون، ولا ينهون، ولا يثابون، ولا يعاقبون، ولهذا قال: ﴿بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا﴾ أي: أنشأناكم للبعث نشأة أخرى، وأعدناكم بأعيانكم، وهم بأنفسهم أمثالهم. ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ﴾ أي: يتذكر بها المؤمن، فينتفع بما فيها من التخويف والترغيب. ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا﴾ أي: طريقا موصلا إليه، فالله يبين الحق والهدى، ثم يخير الناس بين الاهتداء بها أو النفور عنها، مع قيام الحجة عليهم (١)، ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ فإن مشيئة الله نافذة، ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ فله الحكمة في هداية المهتدي، وإضلال الضال. ﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ﴾ فيختصه بعنايته، ويوفقه لأسباب السعادة ويهديه لطرقها. ﴿وَالظَّالِمِينَ﴾ الذين اختاروا الشقاء على الهدى ﴿أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [بظلمهم وعدوانهم]. تم تفسير سورة الإنسان - ولله الحمد والمنة (٢).
تفسير سورة المرسلات
وهي مكية
(١) في ب: إقامة للحجة ليهلك من هلك عن بينة، ويحيي من حي عن بينة.
(٢) في ب: تمت ولله الحمد.
(٢) في ب: تمت ولله الحمد.
﴿١ - ١٥﴾ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ * فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ * وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لأيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾.
أقسم تعالى على البعث والجزاء بالأعمال (١)، بالمرسلات عرفا، وهي الملائكة التي يرسلها الله تعالى بشئونه القدرية وتدبير العالم، وبشئونه الشرعية ووحيه إلى رسله.
و ﴿عُرْفًا﴾ حال من المرسلات أي: أرسلت بالعرف والحكمة والمصلحة، لا بالنكر والعبث.
﴿فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا﴾ وهي [أيضا] الملائكة التي يرسلها الله تعالى وصفها بالمبادرة لأمره، وسرعة تنفيذ أوامره، كالريح العاصف، أو: أن العاصفات، الرياح الشديدة، التي يسرع هبوبها.
﴿وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا﴾ يحتمل أنها الملائكة (٢)، تنشر ما دبرت على نشره، أو أنها السحاب التي ينشر بها الله الأرض، فيحييها بعد موتها.
﴿فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا﴾ هي الملائكة تلقي أشرف الأوامر، وهو الذكر الذي -[٩٠٤]- يرحم الله به عباده، ويذكرهم فيه منافعهم ومصالحهم، تلقيه إلى الرسل.
﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا﴾ أي: إعذارا وإنذارا للناس، تنذر الناس ما أمامهم من المخاوف وتقطع معذرتهم (٣)، فلا يكون لهم حجة على الله.
﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ﴾ من البعث والجزاء على الأعمال ﴿لَوَاقِعٌ﴾ أي: متحتم وقوعه، من غير شك ولا ارتياب.
فإذا وقع حصل من التغير للعالم والأهوال الشديدة ما يزعج القلوب، وتشتد له الكروب، فتنطمس النجوم أي: تتناثر وتزول عن أماكنها وتنسف الجبال، فتكون كالهباء المنثور، وتكون هي والأرض قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وذلك اليوم هو اليوم الذي أقتت فيه الرسل، وأجلت للحكم بينها وبين أممها، ولهذا قال:
﴿لأيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ﴾ استفهام للتعظيم والتفخيم والتهويل.
(١) في ب: على الأعمال.
(٢) في ب: يحتمل أن المراد بها الملائكة.
(٣) في ب: أعذارهم.
(٢) في ب: يحتمل أن المراد بها الملائكة.
(٣) في ب: أعذارهم.