البقرة ١٧٧ - ١٧٨
والصابرين نصب على المدح والاختصاص أظهار الفضل فى الشدائد ومواطن القتال على سائر الأعمال فى البأساء الفقر والشدة والضراء المرض والزمانة وحين البأس وقت القتال أولئك الذين صدقوا أى أهل هذه الصفة هم الذين صدقوا فى الدين وأولئك هم المتقون روى أنه كان بين حيين من أحياء العرب دماء فى الجاهلية وكان لأحدهما طول على الآخر فأقسموا لنقتلن الحر منكم بالعبد والذكر بالأنثى والاثنين بالواحد فتحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين جاء الله بالإسلام فنزل يا أيها الذين آمنوا كتب أى فرض عليكم القصاص وهو عبارة عن المساواة وأصله من قص أثره واقتصه إذا اتبعه ومنه القاص لأنه يتبع الآثار والأخبار فى القتلى جمع قتيل والمعنى فرض عليكم اعتبار المماثلة والمساواة بين القتلى الحر بالحر مبتدأ وخبر أى الحر مأخوذ أو مقتول بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى وقال الشافعى رحمه الله لا يقتل الحر بالعبد لهذا النص وعندنا يجرى القصاص بين الحر والعبد بقوله تعالى أن النفس بالنفس كما بين الذكر والانثى وبقوله عليه السلام المسلمون تتكافأ دماؤهم وبأن التفاضل غير معتبر فى الأنفس بدليل أن جماعة لو قتلوا واحدا قتلوا به وبأن تخصيص الحكم بنوع لا ينفيه عن نوع آخر بل يبقى الحكم فيه موقوفا على ورود دليل آخر وقد ورد كما بينا فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان قالوا العفو ضد العقوبة يقال عفوت عن فلان إذا صفحت عنه وأعرضت عن أن تعاقبه وهو يتعدى بعن إلى الجانى والى الجناية ثم عفونا عنكم ويعفوا عن السيئات و إذا اجتمعا عدى إلى الأول باللام فتقول عفوت له عن ذنبه ومنه الحديث عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق وقال الزجاج من عفى له أى من ترك له القتل بالدية وقال الأزهرى العفو فى اللغة الفضل ومنه يسألونك ماذا ينفقون قل العفو ويقال عفوت لفلان بمال إذا أفضلت له وأعطيته وعفوت له عمالى عليه إذا تركته ومعنى الآية عند الجمهور فمن عفى له من جهة أخيه شيء من العفو على أن الفعل مسند إلى المصدر كما في سير بزيد بعض السير والأخ ولى المقتول وذكر بلفظ الأخوة بعثا له على العطف لما بينهما من الجنسية والإسلام ومن هو القاتل المعفو له عما جنى وترك المفعول الآخر استغناء عنه وقيل أقيم له مقام عند والضمير فى له وأخيه لمن وفى اليه للاخ أو للمتبع الدال عليه فاتباع لأن المعنى فليتبع الطالب القاتل بالمعروف بأن يطالبه مطالية جميلة وليؤد إليه المطلوب أى القاتل بدل الدم أداء بإحسان بألا يمطله ولا يبخسه وإنما قيل شيء من العفو ليعلم أنه إذا عفا عن بعض الدم أو عفا عنه بعض