النحل ١٠٩ - ١١٢
لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون ثم ان ربك ثم يدل على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك للذين هاجروا من مكة أي أنه لهم لا عليهم يعنى أنه وليهم وناصرهم لا عدوهم وخاذلهم كما يكون الملك للرجل لا عليه فيكون محميا منفوعا غير مضرور من بعد فتنوا بالعذاب والاكراه على الكفر فتنوا شامى أي بعد ما عذبوا المؤمنين ثم أسلموا ثم جاهدوا المشركين بعد الهجرة وصبروا على الجهاد ان ربك من بعدها من بعد هذه الأفعال وهي الهجرة والجهاد والصبر لغفور لهم لما كان منهم من التكلم بكلمة الكفر تقية رحيم لا يعذبهم على ما قالوا في حالة الاكراه يوم تأتى منصوب برحيم أو باذكر كل نفس تجادل عن نفسها وإنما أضيفت النفس إلى النفس لأنه يقال لعين الشيء وذاته نفسه وفي نقيضه غيره والنفس الجملة كما هي فالنفس الأولى هي الجملة والثانية عينها وذاتها فكانه قيل يوم يأتى كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه شأن غيره كل يقول نفسى نفسى ومعنى المجادلة عنها الاعتذار كقولهم هؤلاء أضلونا ربنا انا أطعنا سادتنا وكبراءنا الآية والله ربنا ما كنا مشركين وتوفى كل نفس ما عملت تعطى جزاء عملها وافيا وهم لا يظلمون في ذلك وضرب الله مثلا قرية أي جعل القرية التي هذه حالها مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم فابطرتهم النعمة فكفروا وتولوا فانزل الله بهم نقمته فيجوز ان يراد قرية مقدرة على هذه الصفة وان تكون في قرى الاولين قرية كانت هذه حالها فضربها الله مثلا لمكة انذارا من مثل عاقبتها كانت آمنة من القتل والسبى مطمئنة لا يزعجها خوف لأن الطمأنينة مع الأمن والإنزعاج والقلق مع الخوف يأتيها رزقها رغدا واسعا من كل مكان من كل بلد فكرت أهلها بأنعم الله جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاء كدرع وأدرع أو جمع نعم كبؤس وأبؤس فاذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون الاذاقة واللباس استعارتان والاذاقة المستعارة موقعة على اللباس المستعار ووجه صحة ذلك أن الاذاقة جارية عندهم مجرى الحقيقة لشيوعها في البلايا والشدائد وما يمس الناس منها فيقولون ذاق فلان البؤس والضر وأذاقه العذاب شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المر والبشع وأما اللباس