ثم احتج سبحانه عليهم ببعض نعمه وخوفهم بسلب تلك النعمة عنهم فقال : ٣٠ - ﴿ قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا ﴾ أي أخبروني إن صار ماؤكم غارا في الأرض بحيث لا يبقى له وجود فيها أصلا أو صار ذاهبا في الأرض إلى مكان بعيد بحيث لا تناله الدلاء يقال غار الماء غورا : أي نضب والغور الغائر وصف بالمصدر للمبالغة كما يقال رجل عدل وقد تقدم مثل هذا في سورة الكهف ﴿ فمن يأتيكم بماء معين ﴾ أي ظاهر تراه العيون وتناله الدلاء وقيل هو من معن الماء : أي كثر وقال قتادة والضحاك : أي جار وقد تقدم معنى المعين في سورة المؤمن وقرأ ابن عباس فمن يأتيكم بماء عذب
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ أفمن يمشي مكبا ﴾ قال : في الضلالة ﴿ أمن يمشي سويا ﴾ قال : مهتديا وأخرج الخطيب في تاريخه وابن النجار عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ من اشتكى ضرسه فليضع أصبعه عليه وليقرأ هذه الآية ﴿ هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ﴾ ] وأخرج الدارقطني في الأفراد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ من اشتكى ضرسه فليضع أصبعه عليه وليقرأ هاتين الآيتين سبع مرات ﴿ وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع ﴾ إلى ﴿ يفقهون ﴾ و ﴿ هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ﴾ فإنه يبرأ بإذن الله ] وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ إن أصبح ماؤكم غورا ﴾ قال : داخلا في الأرض ﴿ فمن يأتيكم بماء معين ﴾ قال : الجاري وأخرج ابن المنذر عنه ﴿ إن أصبح ماؤكم غورا ﴾ قال : يرجع في الأرض : وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ﴿ بماء معين ﴾ قال : ظاهر وأخرج عبد بن حميد عنه أيضا ﴿ بماء معين ﴾ قال عذب
هي اثنتان وخمسون آية
وهي مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر وروي عن ابن عباس وقتادة أن من أولها إلى قوله :﴿ سنسمه على الخرطوم ﴾ مكي ومن بعد ذلك إلى قوله :﴿ من الصالحين ﴾ مدني وباقيها مكي كذا قال الماوردي وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال : كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ثم يزيد الله فيها ما يشاء وكان أول ما نزل من القرآن اقرأ باسم ربك ثم نون ثم المزمل ثم المدثر وأخرج النحاس وابن مردويه والبيهقي عنه قال : نزلت سورة ن بمكة وأخرج ابن مردويه عن عائشة مثله
قوله : ١ - ﴿ ن ﴾ قرأ أبو بكر وورش وابن عامر والكسائي وابن محيصن وابن هبيرة بإدغام النون الثانية من هجائها في الواو وقرأ الباقون بالإظهار وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر بالفتح على إضمار فعل وقرأ ابن عامر ونضر وابن إسحاق بكسرها على إضمار القسم أو لأجل التقاء الساكنين وقرأ محمد بن السميفع وهارون بضمها على البناء قال مجاهد ومقاتل والسدي : هو الحوت الذي يحمل الأرض وبه قال مرة الهمذاني وعطاء الخرساني والكلبي وقيل إن نون آخر حرف من حروف الرحمن وقال ابن زيد : هو قسم أقسم الله به وقال ابن كيسان : هو فاتحة السورة وقال عطاء وأبو العالية : هي النون من نصر وناصر قال محمد بن كعب : أقسم الله تعالى بنصره المؤمنين وقيل هو حرف من حروف الهجاء كالفواتح الواقعة في أوائل السور المفتتحة بذلك وقد عرفناك ما هو الحق في مثل هذه الفواتح في أول سورة البقرة والواو في قوله :﴿ والقلم ﴾ واو القسم أسم الله بالقلم لما فيه من البيان وهو واقع على كل قلم يكتب به وقال جماعة من المفسرين : المراد به القلم الذي كتب به اللوح المحفوظ أقسم الله به تعظيما له قال قتادة : القلم من نعمة الله على عباده ﴿ وما يسطرون ﴾ ما موصولة : أي والذي يسطرون والضمير عائد إلى أصحاب القلم المدلول عليهم بذكره لأن ذكر آلة الكتابة تدل على الكاتب والمعنى : والذي يسطرون : أي يكتبون كل ما يكتب أو الحفظة على ما تقدم ويجوز أن تكون ما مصدرية : أي وسطرهم وقيل الضمير راجع إلى القلم خاصة من باب إسناد الفعل إلى الآلة وإجرائها مجرى العقلاء