ثم لما دعا على الكافرين أتبعه بالدعاء لنفسه ووالديه والمؤمنين فقال : ٢٨ - ﴿ رب اغفر لي ولوالدي ﴾ وكانا مؤمنين وأبوه لامك بن متوشلخ كما تقدم وأمه سمحاء بنت أنوش وقيل أراد آدم وحواء وقال سعيد بن جبير : أراد بوالديه أباه وجده وقرأ سعيد بن جبير ولوالدي بكسر الدال على الأفراد ﴿ ولمن دخل بيتي ﴾ قال الضحاك والكلبي : يعني مسجده وقيل منزله الذي هو ساكن فيه وقيل سفينته وقيل لمن دخل في دينه وانتصاب ﴿ مؤمنا ﴾ على الحال : أي لمن دخل بيتي متصفا بصفة الإيمان فيخرج من دخله غير متصف بهذه الصفة كامرأته وولده الذي قال :﴿ سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ﴾ ثم عمم الدعوة فقال :﴿ وللمؤمنين والمؤمنات ﴾ أي واغفر لكل متصف بالإيمان من الذكور والإناث ثم عاد إلى الدعاء على الكافرين فقال :﴿ ولا تزد الظالمين إلا تبارا ﴾ أي لا تزد المتصفين بالظلم إلا هلاكا وخسرانا ودمارا وقد شمل دعاؤه هذا كل ظالم إلى يوم القيامة كما شمل دعاؤه للمؤمنين والمؤمنات كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ﴾ قال : هذه الأصنام كانت تعبد في زمن نوح وأخرج البخاري وابن المنذر وابن مردويه عنه قال : صارت الأوثان التي كانت تعبد في قوم نوح في العرب أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكانت لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف وأما يعوق فكانت لهمدان وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجلسهم الذي كانوا يجلسون فيه أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى هلك أولئك ونسخ العلم فعبدت
هي ثمان وعشرون آية
وهي مكية قال القرطبي : في قول الجميع وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت سورة الجن بمكة وأخرج ابن مردويه عن عائشة وابن الزبير مثله
قوله : ١ - ﴿ قل أوحي إلي ﴾ قرأ الجمهور ﴿ أوحي ﴾ رباعيا وقرأ ابن أبي عبلة وابن إياس والعتكي عن أبي عمرو وحي ثلاثيا وهما لغتان واختلاف هل رآهم النبي صلى الله عليه و سلم أم لم يرهم ؟ فظاهر القرآن أنه لم يرهم لأن المعنى : قل يا محمد لأمتك أوحي إلي على لسان جبريل ﴿ أنه استمع نفر من الجن ﴾ ومثله قوله :﴿ وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ﴾ ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيح عن ابن عباس قال : ما قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم على الجن وما رآهم قال عكرمة : والسورة التي كان يقرأها رسول الله صلى الله عليه و سلم هي ﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق ﴾ وقد تقدم في سورة الأحقاف ذكر ما يفيد زيادة في هذا قوله :﴿ أنه استمع نفر من الجن ﴾ هذا هو القائم مقام الفاعل ولهذا فتحت أن والضمير للشأن وعند الكوفيين والأخفش يجوز أن يكون القائم مقام الفاعل الجار والمجرور والنفر اسم للجماعة ما بين الثلاثة إلى العشرة قال الضحاك : والجن ولد الجان وليسوا شياطين وقال الحسن : إنهم ولد إبليس قيل هم أجسام عاقلة خفية تغلب عليهم النازية والهوائية وقيل نوع من الأرواح المجردة وقيل هي النفوس البشرية المفارقة لأبدانها
وقد اختلف أهل العلم في دخول مؤمني الجن الجنة كما يدخل عصاتهم النار لقوله في سورة تبارك :﴿ وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير ﴾ وقول الجن فيما سيأتي في هذه السورة ﴿ وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ﴾ وغير ذلك من الآيات فقال الحسن : يدخلون الجنة وقال مجاهد : لا يدخلونها وإن صرفوا عن النار والأول أولى لقوله في سورة الجن :﴿ لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ﴾ وفي سورة الرحمن آيات غير هذه تدل على ذلك فراجعها وقد قدمنا أن الحق أنه لم يرسل الله إليهم رسلا منهم بل الرسل جميعا من الإنس وإن أشعر قوله :﴿ ألم يأتكم رسل منكم ﴾ بخلاف هذا فهو مدفوع الظاهر بأيات كثيرة في الكتاب العزيز دالة على أن الله سبحانه لم يرسل الرسل من بني آدم وهذه الأبحاث الكلام فيها يطول والمراد الإشارة بأخصر عبارة ﴿ فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ﴾ أي قالوا لقومهم لما رجعوا إليهم : أي سمعنا كلام مقروءا عجبا في فصاحته وبلاغته وقيل عجبا في مواعظه وقيل في بركته وعجبا مصدر وصف به للمبالغة أو على حذف المضاف : أي ذا عجب أو المصدر بمعنى اسم الفاعل : أي معجبا