٢٩ - ﴿ إن هذه تذكرة ﴾ يعني إن هذه السورة تذكير وموعظة ﴿ فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ﴾ أي طريقا يتوسل به إليه وذلك بالإيمان والطاعة والمراد إلى ثوابه أو إلى جنته
٣٠ - ﴿ وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ﴾ أي وما تشاءون أن تتخذوا إلى الله سبيلا إلا أن يشاء الله فالأمر إليه سبحانه ليس إليهم والخير والشر بيده لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع فمشيئة العبد مجردة لا تأتي بخير ولا تدفع شرا وإن كان يثاب على المشيئة الصالحة ويؤجر على قصد الخير كما في حديث [ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ] قال الزجاج أي لستم تشاءون إلا بمشيئة الله ﴿ إن الله كان عليما حكيما ﴾ في أمره ونهيه : أي بليغ العلم والحكمة
٣١ - ﴿ يدخل من يشاء في رحمته ﴾ أي يدخل في رحمته من يشاء أن يدخله فيها أو يدخل في جنته من يشاء من عباده قال عطاء : من صدقت نيته أدخله جنته ﴿ والظالمين أعد لهم عذابا أليما ﴾ انتصاب الظالمين بفعل مقدر يدل عليه ما قبله : أي يعذب الظالمين نصب الظالمين لأن ما قبله منصوب أي يدخل من يشاء في رحمته ويعذب الظالمين : أي المشركين ويكون أعد لهم تفسيرا لهذا المضمر والاختيار النصب وإن جاز الرفع وبالنصب قرأ الجمهور وقرأ أبان بن عثمان بالرفع على الابتداء ووجهه أنه لم يكن بعده فعل يقع عليه
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس ﴿ وشددنا أسرهم ﴾ قال : خلقهم وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة ﴿ وشددنا أسرهم ﴾ قال هي المفاصل
هي خمسون آية
وهي مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر قال قتادة : إلا آية منها وهي قوله :﴿ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ﴾ فإنها مدنية وروي هذا عن ابن عباس وأخرج النحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت سورة المرسلات بمكة وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال :[ بينما نحن مع النبي صلى الله عليه و سلم في غار بمنى إذ نزلت سورة المرسلات عرفا فإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه وإن فاه لرطب بها إذ وثبت علينا حية فقال النبي صلى الله عليه و سلم : اقتلوها فابتدرناه فذهبت فقال النبي صلى الله عليه و سلم : وقيت شركم كما وقيتم شرها ] وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس أن أم الفضل سمعته وهو يقرأ :﴿ والمرسلات عرفا ﴾ فقالت : يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها آخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ بها في المغرب
قوله : ١ - ﴿ والمرسلات عرفا ﴾ قال جمهور المفسرين : هي الرياح وقيل هي الملائكة وبه قال مقاتل وأبو صالح والكلبي وقيل هم الأنبياء فعلى الأول أقسم سبحانه بالرياح المرسلة لما يأمرها به كما في قوله :﴿ وأرسلنا الرياح لواقح ﴾ وقوله :﴿ يرسل الرياح ﴾ وغير ذلك وعلى الثاني أقسم سبحانه بالملائكة المرسلة بوحيه وأمره ونهيه وعلى الثالث أقسم سبحانه برسله المرسلة إلى عباده لتبليغ شرائعه وانتصاب ﴿ عرفا ﴾ إما على أنه مفعول لأجله : أي المرسلات لأجل العرف وهو ضد النكر ومنه قول الشاعر :

( من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس )
أو على أنه حال بمعنى متتابعة يتبع بعضها بعضا كعرف الفرس تقول العرب : سار الناس إلى فلان عرفا واحدا : إذا توجهوا إليه وهم على فلان كعرف الضبع : إذا تألبوا عليه أو على أنه مصدر كأنه قال : والمرسلات إرسالا : أي متتابعة أو على أنه منصوب بنزع الخافض : أي والمرسلات بالعرف قرأ الجمهور ﴿ عرفا ﴾ بسكون الراء : وقرأ عيسى بن عمر بضمها وقيل المراد بالمرسلات السحاب لما فيها من نعمة ونقمة


الصفحة التالية
Icon