الحمد : الثناء الحق والذكر الجميل. الظلمة : الحال التي يكون عليها كل مكان لا نور فيه، والنور قسمان : حِسّي وهو ما يدرك بالبصر، ومعنويّ وهو ما يدرَك بالبصيرة.
الجَعل : الانشاء والابداع كالخلق، الا ان الجعل مختص بالإنشاء التكويني كما في هذه الآية، وبالتشريعي كما في قوله تعالى :« وما جعل الله من بَحيرة ولا سائبة » الآية.
ولم يذكر النور في القرآن إلا مفرداً، والظلمة إلا جمعاً. وذلك لأن النور واحد حتى لو تعددت مصادره، فيما تتم الظُلمة بعد حجب النور واعتراضه، ومصادر ذلك كثيرة. وكذلك حال النور المعنوي، فهو شيء واحد فيما الظلمات متعددة. فالحق واحد لا يتعدد، والباطل الذي يقابله كثير. والهدى واحد، والضلال المقابل له كثير. وقُدمت الظلمات في الذكر على النور لأنها سابقة عليه في الوجود، فقد وُحدت مادة الكون وكانت سديما كما يقول علماء الفلك، ثم تكوّنت الشموس والأجرام بما حدث فيها من الاشتعال لشدة الحركة. والى هذا يشير حديث عبد الله بن عمرو :« ان الله خلق الخلق في ظلمة، ثم رشّ عليهم من نوره، فمن أصابه نورُه اهتدى، ومن أخطأهُ ضل » رواه احمد والترمذي. ويؤيده قوله تعالى :﴿ ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ ﴾.
ومثلُ ما سبق أن الظلمات المعنوية أسبقُ في الوجود، فان نور العلم والهداية كسبيٌ في البشر، وغير الكسبيِّ منه الوحي، وظلمات الجهل والأهواء سابقة على هذا النور ﴿ والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾.
يعدلون : يجعلون له عديلاً مساوياً في العبادة، أيك يتخذون له أندادا. الأجَل : المدة المقدَّرة. تمترون : تشكّون في البعث.
﴿ الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السماوات والأرض ﴾.
الثناء والذِكر الجميل لله، الذي خلق هذا الكون وما فيه مما نراه وما لا نراه، وأوجد الظلمات والنور لمنعفة العباد. ثم مع هذه النعم الجلية يُشرِك به الكافرون ويجعلون له شريكاً في العبادة!!
بدأت سورة الأنعام هنا في آياتها الأولى، فركّزت اتجاهها نحو القضايا الثلاث التي اشرنا اليها : الالوهية، الوحي والرسالة، وقضية البعث بعد الموت فقررت في اولاها ما يوجب النظَر في التوحيد، وأثبتت لِلّه في سبيل ذلك استحقاق الحمد بحقيقته الشاملة لجميع أنواع صوره، واهابات بالعقول أن تلتفت الى أنه هو الذي خلق الكون بمادته وجوهرة، فلا أحد غيره يستحق شيئا من الحمد والثناء، لأن الله هو وحده المصدر، ولا يصح في عقلٍ أن يتجه بالعبادة والتقديس الى غيره، فما أضلَّ اولئك الذين تنكبوا طريق العقل السليم واتخذوا له شركاء هو الّذي خلقهم في جملة ما خلق.


الصفحة التالية
Icon