اذا طلقتم النساء : اذا اردتم ان تطلقوا النساء، وهذا التعبير جاء في القرآن مثل قوله تعالى :﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم ﴾ [ النحل : ٩٨ ] يعني اذا اردت ان تقرأ القرآن. فطلقوهن لعدتهن : يعني طلقوهن بعد طُهرٍ من الحيض دون ان تمسّوهن حتى لا تطول عليهن العدة، والعدة هي الزمان الذي يجب على المرأة ان تبقى فيه دون ان تتزوج. وأحصوا العدة : اضبطوها، حتى يتبين ان المرأة ليست حاملا. فاحشة مبينة : معصية ظاهرة، مثل الزنا او السرقة او ان تطيل لسانها على أقارب زوجها وغير ذلك. حدود الله : شرائعه. فاذا بلغن أجلهن : اذا اتممن العدة.
﴿ ياأيها النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء.... ﴾
وجّه الله تعالى الخطاب الى النبيّ الكريم ليُفهِم المؤمنين جميعا، أن يتقيدوا بأحكام الشريعة، فاذا اراد احد ان يطلّق زوجته فإن عليه ان يراعي وقتَ طُهرها من الحيض فيطلّقها وهي طاهرة حتى لا تطول عليها مدة العدة. ثم اكد ذلك بقوله تعالى :﴿ وَأَحْصُواْ العدة ﴾ اعرفوا ابتداءها وانتهاءها. ﴿ واتقوا الله رَبَّكُمْ ﴾ بمحافظتكم على أوامره، لأنها لمصلحتكم.
ثم بين لنا أشياء يجب ان نتّبعها محافظةً على تماسك الأسرة ودوام حياتها فقال :﴿ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ﴾ يعني ان المطلقة تبقى في بيتها حتى تنقضيَ العدة. وهناك حكمة بالغة في إبقاء المطلقة في بيتها، وهي : عسى ان يراجعَ الزوج رأيَه، ويعاودَ أمره، فيراجعَ زوجته وتعود الحياة الى مجراها الطبيعي. وفي ذلك مصلحة كبرى للطرفين.
﴿ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ﴾
ولا يجوز ان يتخرج المطلقة من بيتها إلا اذا انتهت العِدة، فلا تأذنوا لهنّ بالخروج اذا طلبن ذلك، ولا يخرجن بأنفسِهن إن أردْن، ولكنه استثنى من لزوم البقاء في بيوت الزوجية اذا دعت الضرورة لذلك كأن فعلتْ ما يوجِب حدّاً كالزنا او السرقة او أطالت اللسان على الأحماء ومن في البيت من سوءِ خلقها، فيحل عند ذلك إخراجها من البيت.
ثم بين الله تعالى عاقبة تجاوز حدود الله فقال :
﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ الله ﴾
هذه التي بينها لكم من الطلاق للعدة واحصائها وما يترتب على ذلك.
﴿ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ بعدم تمسّكه بأوامر الله وشرعه.
ثم لمّح الى حكمة بقائها في البيت فقال :
﴿ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ﴾.
أنتَ لا تعلم ايها المرء ماذا يحصل، ولا تعلم ان الله يقلّب القلوب، فيجعل في قلبك محبةً لها، فتندم على طلاقها وفراقها، ولعلك تراجعها وتعود المياه الى مجاريها.
روى البخاري ومسلم وابو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر رضي الله عَنْهُمْ « انه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمرُ لرسول الله، فتغيّظ منه ثم قال : لِيراجعْها ثم يمسكْها حتى تطهُر ثم تحيض ثم تطهر، فإن بدا له ان يطلّقها فليطلقها قبل ان يمسّها، فتلك العِدةُ التي أمَرَ اللهُ ان تطلَّق لها النساء.