بسم الله الرحمن الرحيم

سورة النحل
قوله تعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾، أي: قرب وقت إتيان القيامة، وعبر بصيغة الماضي تنزيلاً لتحقق الوقوع منزلة الوقوع. واقتراب القيامة المشار إليه هنا بينه جل وعلا في مواضع أُخر، كقوله: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [٢١/١]، وقوله جل وعلا: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [٥٤/١]، وقوله: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً﴾ [٣٣/٦٣]، وقوله: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ [٤٢/١٧]، وقوله جل وعلا: ﴿أَزِفَتِ الْآزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾ [٥٣/٥٧-٥٨]، إلى غير ذلك من الآيات.
والتعبير عن المستقبل بصيغة الماضي لتحقق وقوعه كثير في القرآن، كقوله: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ...﴾ الآية [٣٩/٦٨]، وقوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ...﴾ الآية [٧/٤٤]، وقوله: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا...﴾ الآية [٣٩/٦٩-٧١].
فكل هذه الأفعال الماضية بمعنى الاستقبال، نزل تحقق وقوعها منزلة الوقوع.
قوله تعالى: ﴿فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾، نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن استعجال ما وعد به من الهول والعذاب يوم القيامة، والاستعجال هو طلبهم أن يعجل لهم ما يوعدون به من العذاب يوم القيامة.
والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة، كقوله جل وعلا: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمّىً لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [٢٩/٥٣، ٥٤]، وقوله: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا﴾ [٤٢/١٨]، وقوله: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ﴾ الآية [١١/٨]، وقوله: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا


الصفحة التالية
Icon