بسم الله الرحمن الرحيم

سورة مريم
قوله تعالى: ﴿كهيعص ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً﴾.
قد قدمنا الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور. كقوله: هنا: ﴿كهيعص﴾ [١٩/١] في سورة «هود» فأغنى عن إعادته هنا. وقوله: ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ﴾ [١٩/١] خبر مبتدأ محذوف. أي هذا ذكر رحمة ربك. وقيل: مبتدأ خبره محذوف، وتقديره: فيما يتلى عليكم ذكر رحمة ربك، والأول أظهر. والقول بأنه خبر عن قوله: ﴿كهيعص﴾، ظاهر السقوط لعدم ربط بينهما. وقوله: ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ﴾ لفظة ﴿ذكر﴾ مصدر مضاف إلى مفعوله. ولفظة ﴿رحمة﴾ مصدر مضاف إلى فَاعله وهو ﴿ربك﴾، وقوله: ﴿عَبْدِهِ﴾ مفعول به للمصدر الذي هو ﴿رحمة﴾ المضاف إلى فاعله، على حد قوله: في الخلاصة:
وبعد جره الذي أضيف له كمل بنصب أو برفع عمله
وقوله: ﴿زكريا﴾ بدل من قوله: ﴿عبده﴾ أو عطف بيان عليه.
وقد بين جل وعلا في هذه الآية: أن هذا الذي يتلى في أول هذه السورة الكريمة هو ذكر الله رحمته التي رحم بها عبده زكريا حين ناداه نداء خفياً أي دعاء في سر وخفية. وثناؤه جل وعلا عليه يكون دعائه خفياً يدل على أن إخفاء الدعاء أفضل من إظهاره وإعلانه. وهذا المعنى المفهوم من هذه الآية جاء مصرحاً به في قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾ الآية[٦/٣٦]، وقوله تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [٧/٥٥]، وإنما كان الإخفاء أفضل من الإظهار لأنه أقرب إلى الإخلاص، وأبعد من الرياء. فقول من قال: إن سبب إخفائه دعاءه أنه خوفه من قومه أن يلوموه على طلب الولد، في حالة لا يمكن فيها الولد عادة لكبر


الصفحة التالية
Icon