بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة سبأ
قوله تعالى: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ﴾.
قد ذكرنا ما هو بمعناه من الآيات في أوّل سورة "الفاتحة"، في الكلام على قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾.
بيَّن جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أنه ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ﴾، أي: ما يدخل فيها كالماء النازل من السماء، الذي يلج في الأرض؛ كما أوضحه بقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ﴾.
وقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ﴾، فهو جلَّ وعلا يعلم عدد القطر النازل من السماء إلى الأرض، وكيف لا يعلمه من خلقه: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾، ويعلم أيضًا ما يلج في الأرض من الموتى الذين يدفنون فيها؛ كما قال جلَّ وعلا: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾، وقال: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً﴾، والكفات من الكفت: وهو الضم، لأنها تضمّهم أحياء على ظهرها، وأمواتًا في بطنها، ويعلم أيضًا ما يلج في الأرض من البذر؛ كما قال تعالى: ﴿وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾، وكذلك ما في بطنها من المعادن، وغير ذلك.
قوله: ﴿وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾، أي: من الأرض كالنبات والحبوب، والمعادن، والكنوز، والدفائن وغير ذلك، ويعلم ﴿مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ﴾ من المطر، والثلج، والبرد، والرزق وغير ذلك. ﴿وَمَا يَعْرُجُ﴾، أي: يصعد فيها، أي: السماء، كالأعمال


الصفحة التالية
Icon