بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الصافات
قوله تعالى: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفّاً * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً* فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً * إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾.
أكثر أهل العلم على أن المراد بـ: ﴿الصَّافَّاتِ﴾ هنا، و ﴿الزَّاجِرَاتِ﴾، و ﴿التَّالِيَاتِ﴾ : جماعات الملائكة، وقد جاء وصف الملائكة بأنهم صافّون، وذلك في قوله تعالى عنهم: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾، ومعنى كونهم صافين: أن يكونوا صفوفًا متراصّين بعضهم جنب بعض في طاعة اللَّه تعالى، من صلاة وغيرها. وقيل: لأنهم يصفون أجنحتهم في السماء، ينتظرون أمر اللَّه، ويؤيّد القول الأول حديث حذيفة الذي قدّمنا في أوّل سورة "المائدة"، في صحيح مسلم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت لنا تربتها طهورًا إذا لم نجد الماء"، وهو دليل صحيح على أن الملائكة يصفّون كصفوف المصلّين في صلاتهم، وقد جاء في بعض الآيات ما يدلّ على أنهم يلقون الذكر على الأنبياء، لأجل الإعذار والإنذار به؛ كقوله تعالى: ﴿فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً * عُذْراً أَوْ نُذْراً﴾، فقوله: ﴿فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً﴾، كقوله هنا: ﴿فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً﴾، لأن الذكر الذي تتلوه تلقيه إلى الأنبياء، كما كان جبريل ينزل بالوحي على نبيّنا وغيره من الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه على الجميع، وقوله: ﴿عُذْراً أَوْ نُذْراً﴾، أي: لأجل الإعذار والإنذار، أي: بذلك الذكر الذي نتلوه وتلقيه، والإعذار: قطع العذر بالتبليغ.
والإنذار قد قدّمنا إيضاحه وبيّنا أنواعه في أوّل سورة "الأعراف"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، وقوله في هذه الآية: ﴿فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً﴾، الملائكة تزجر السحاب، وقيل: تزجر الخلائق عن معاص اللَّه بالذكر الذي تتلوه، وتلقيه إلى الأنبياء.


الصفحة التالية
Icon