بسم الله الرحمن الرحيم

سورة عبس
قوله تعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى﴾ [عبس: ٢].
سبب نزول هذه السورة باتفاق المفسرين أنه ﷺ كان مشغولا بدعوة صناديد قريش فأتاه ابن أم مكتوم وهو رجل أعمى وقال: "أقرئني يا رسول الله وعلمني مما علمك الله" وكرر ذلك فلم يتفق ذلك وما هو مشتغل به ﷺ وما يرجوه مما هو أعظم فعبس وتولى عنه منصرفا لما هو مشتغل به.
قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب على قوله تعالى ﴿أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى﴾ ما نصه عبر تعالى عن هذا الصحابي الجليل الذي هو عبد الله بن أم مكتوم بلقب يكرهه الناس مع أنه قال ﴿وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [٤٩/١١].
والجواب هو ما نبه عليه بعض العلماء من أن السر في التعبير عنه بلفظ: ﴿الْأَعْمَى﴾ للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام الرسول ﷺ لأنه لو كان يرى ما هو مشتغل به مع صناديد الكفار لما قطع كلامه ا هـ. منه بلفظه.
وقال الفخر الرازي إنه وإن كان أعمى لا يرى فإنه يسمع وبسماعه حديث رسول الله ﷺ وإقدامه على مقاطعته يكون مرتكبا معصية فكيف يعاتب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكلامه هذا يشعر بأنه إن كان معذورا لعدم الرؤية فليس معذورا لإمكان سماعه ولكن ذكره بوصفه ليوجب العطف عليه والرفق به.
والظاهر والله تعالى أعلم أن كلام الرازي ليس بعيدا عما ذكره الشيخ لأن معناه أنه عاتبه لعدم رفقه به ومراعاة حالة عماه.
فعليه يكون ذكره بهذا الوصف من باب التعريض بغيره من أولائك الصناديد وسادة القوم وكأنه يقول لهم ﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾


الصفحة التالية
Icon