سورة الحجر
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٨
﴿بسم الله﴾ الواحد الأحد الجامع لما شتت من بدد ﴿الرحمن﴾ الذي جمع خلقه في رحمة البيان ﴿الرحيم*﴾ الذي خص الأبرار بما أباحهم الرضوان.
لما ختم التي قبلها بعنوان الكتاب، ابتدأ هذه بشرح ذلك العنوان، وأوله وصفه بأنه جامع والخير كله في الجمع والشر كله في الفرقة، فقال تعالى :﴿الر تلك﴾ أي هذه الآيات العالية المقام، التفسية المرام ﴿آيات الكتاب﴾ أي الكامل غاية الكمال الذي لا
١٩٩
كتاب على الحقيقة غيره، الجامع لجمع ما يقوم به الوجود من الخيرات، القاطع في قضائه من غير شك ولا تردد، الغالب بأحكامه القاهرة في وعده ووعيده وأحكامه في إعجازه لجميع من يعانده.
ولما كان الغالب في هذه السورة القطع الذي هو من لوازم الكتاب قدمه، وذلك أنه قطع بأمر الأجل والملائكة، وحفظ الكتاب والرمي بالشهب، وكفاية المستهزئين، فكان كما قال سبحانه ﴿و﴾ آيات ﴿قرآن﴾ أي قرآن جامع ناشر مفصل واصل، إذ التنوين للتعظيم ﴿مبين*﴾ لجميع ما يجمع الهمم على الله فيوصل إلى السعادة، وهذه الإبانة - التي لم تدع لبساً - هو منتصف بها، مع كونه جامعاً للأصول ناشراً للفروع لا خلل فيه يدخل منه عليه، ولا فصم يؤتى منه إليه، فأعجب لأمر حاوٍ لجميع وفرق وفصل ووصل : والإبانة : إظهار المعنى للنفس بما يميزه عن غيره، لأن أصل الإبانة الفصل : فهذا شرح كونه بلاغاً، فمقصود هذه السورة اعتقاد كون القرآن بلاغاً جامعاً للأمور الموصلة إلى الله، مغنياً عن جميع الأسبابن فلا ينبغي الالتفات إلى شيء سواه ﴿ذرهم يأكلوا﴾، ﴿لا تمدن عينيك﴾ ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾ وكان الجمع بين الوصفين الدال كل منهما على الجمع إشارة إلى الرد عليهم في جعلهم القرآن عضين، وأن قولهم شديد المباعدة لمعناه.
مع أن المفهومين - مع تصادقهما على شيء واحد - متغايران، فالكتاب : ما يدون في الطروس، والقرآن : ما يقرأ باللسان، فكأن الأول إشارة إلى حفظه في الطروس بالكتابة، والثاني إلى حفظه في الصدور بالدراسة، سيأتي قوله ﴿وإنا له لحافظون﴾ مؤيدأ لذلك، وكل من مادتي كتب وقرأ بجميع التقاليب تدور على الجمع.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٩
أما " كتب " - وتنقلب إلى كبت وتبك وبكت وبتك - فقال في المجمل : كتبت الكتاب أكتبه وهو من الجمع، والكتاب أيضاً : الدواة - تسمية للشيء باسم ما هو آلته، والمكتب٠ كمعظم : العنقود أكل بعض مافيه - تشبيهاً له بالمكتوب، والكتيبة : الجيش والجماعة المستحيزة من الخيل إذا أغارت من المائة إلى الألف - انتهى.


الصفحة التالية
Icon