سورة الذاريات
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٦٨
لما ختم سبحانه ق بالتذكير بالوعيد، افتتح هذه بالقسم البالغ على صدقه، فقال مناسباً بين القسم والمقسم عليه :﴿والذاريات﴾ أي الرياح التي من شأنها الإطارة والرمي والتفريق والإذهاب، وأكد ذلك بقوله :﴿ذرواً *﴾ أي بما تصرفها فيه الملائكة، قال الأصبهاني : الرياح تحت أجنحة الكروبيين حملة العرش، فتهيج من ثم فتقع بعجلة الشمس ثم تهيج عن عجلة الشمس فتقع برؤوس الجبال، ثم من رؤوس الجبال تقع في البر، فأما الشمال فإنها تمر تحت عدن فتأخذ من عرف طيبها فتمر على أرواح الصديقين، ثم تأخذ حدها من كرسي بنات نعش إلى مغرب الشمس، وتأتي الدبور حدها من مغرب الشمس إلى مطلع سهيل، وتأتي الجنوب حدها من مطلع سهيل إلى مطلع الشمس، وتأتي الصبا حدها من مطلع الشمس إلى كرسي بنات نعش، فلا تدخل هذه في حد هذه ولا هذه في حد هذه.
ولما كانت غاية الذرو التهيئة للحمل، قال مسبباً ومعقباً :﴿فالحاملات﴾ أي من السحب التي فرقت الريح أصلها وهو الأبخرة، وأطارته في الجو في جهة العلو ثم جمعته، فانعقد سحاباً فبسطه مع الالتئام فحمله الله ما أوجد فيه من مراده من الماء والصواعق وغيرها ﴿وقراً *﴾ أي حملاً ثقيلاً، وقد كان قبل ذلك لا يرى شيء منه ولا من محموله، فتحققوا قدرة الله على كل ما يريد وإن لم تروا أسبابه، ولا يغرنكم بالله الغرور.
ولما كان الحمل إنما هو الوضع في الأماكن التي يراد ضرها أو نفعها، وكان سير الغمام بعد الحمل في ساحة الجو وباحة الأفق من غير ممسك يرى أدل على القدرة، ولا سيما غذا كان مع الجري الذي يضرب به لسرعته المثل، وكذا جري السفن في باحة البحر بعد ثقلها بالوسق قال :﴿فالجاريات يسراً *﴾ أي جرياً ذا سهولة.


الصفحة التالية
Icon