سورة الإنسان
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٥٨
ولما تقدم في آخر القيامة التهديد على مطلق التكذيب، وأن المرجع إلى الله وحده، والإنكار على من ظن أنه يترك سدى والاستدلال على البعث وتمام القدرة عليه، تلاه أول هذه بالاستفهام الإنكار على ما يقطع معه بأن لا يترك سدى، فقال مفصلاً ما له سبحانه عليه من نعمة الإيجاد والإعداد والإمداد والإسعاد :﴿هل أتى﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿على الإنسان﴾ أي هذا النوع الذي شغله عما يراد به ويراد له لعظم مقداره في نفس الأمر الأنس بنفسه والإعجاب بظاهر حسه والنسيان لما بعد حلول رمسه ﴿حين من الدهر﴾ أي مقدار محدود وإن قل من الزمان الممتد الغير المحدود حال كونه ﴿لم يكن﴾ أي في ذلك الحين كوناً راسخاً ﴿شيئاً مذكوراً *﴾ أي ذاكراً له اعتبار ظاهر في الملأ الأعلى وغيره حتى أنه يكون متهاوناً به غير منظور إليه ليجوز أن يكون سدى بلا أمر ونهي، ثم يذهب عدماً ليس الأمر كذلك، بل ما أتى عليه شيء من ذلك بعد
٢٥٩
خلق إلا وهو فيه شيء مذكور، وذلك أن الدهر هو الزمان، والزمان هو مقدار حركة الفلك - كما نقله الرازي في كتاب اللوامع في سورة " يس " عند قوله تعالى " ولا الليل سابق النهار " فإنه قال : الزمان ابتداؤه من حركات ا لسماء فإن الزمان مقدار حركات الفلك - انتهى وآدم عليه السلام تم الخلق بتمام خلقه في آخر يوم الجمعة أول جمعة كانت، وكانت طينته - قبل ذلك بمدة مخمرة هو فيها بين الروح والجسد، قال ابن مسعود رضي الله عنه : خلق الله آدم عليه السلام من تراب فأقام أربعين سنة ثم من طين أربعين سنة ثم من صلصال أربعين سنة ثم من حمإ مسنون أربعين سنة ثم خلقه بعد ستين ومائة سنة، وقال البغوي : قال ابن عباس رضي الله عنهما : ثم خلقه بعد عشرين ومائة سنة : فحينئذ ما أتى عليه زمان إلا وهو شيء مذكور إما بالتخمير وإما بتمام التصوير، فالاستفهام على بابه وهو إنكاري، وليست " هل " بمعنى " قد " إلا إن قدرت قبلها الهمزة، وكان الاستفهام إنكارياً لينتفي مضمون الكلام، والمراد أنه هو المراد من العالم، فحينئذ ما خلق الزمان إلا لأجله، فهو أشرف الخلائق، وهذا أدل دليل على بعثه للجزاء، فهل يجوز مع ذلك أن يترك سدى فيفنى المظروف الذي هو المقصود بالذات، ويبقى الظرف الي ما خلق إلا صواناً له، والذي يدل على ذلك من أقوال السلف أنه روي أن رجلاً قرأه لا عند ابن مسعود رضي الله عنه فقال : يا ليت ذلك لم يكن.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٥٩


الصفحة التالية
Icon