سورة النازعات
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٧
لما ذكر سبحانه يوم يقوم الروح ويتمنى الكافر العدم، أقسم أول هذه بنزع الأرواح على الوجه الذي ذكره بأيدي الملائكة عليهم السلام على ما يتأثر عنه من البعث وساقه على وجه التأكيد بالقسم لأنهم به مكذبون فقال تعالى :﴿والنازعات﴾ أي من الملائكة - كما قال علي وابن عباس رضي الله عنهم - للأرواح ولأنفسها من مراكزها في السماوات امتثالاً للأوامر الإليهة ﴿غرقاً *﴾ أي إغراقاً بقوة شديدة تغلغلاً إلى أقصى المراد من كل شيء من البدن حتى الشعر والظفر والعظم كما يغرق النازع في القاموس فيبلغ أقصى المدّ، وكان ذلك لنفوس الكفار والعصاة كما ينزع السفود وهو الحديدة المتشعبة المتعاكسة الشعب من الصوف المبلول، وعم ابن جرير كما هي عادته في كل ما يحتمله اللفظ فقال : والصواب أن يقال : إن الله تعالى لم يخصص، فكل نازعة داخلة
٣٠٨
في قسمه - يعني الاعتبار بما آتاهم الله من القدرة على ذلك النزع الدالة على تمام الحكمة والاقتدار على ما يريده سبحانه.
ولما ذكر الشد مبتدئاً به لأنه أهول، أتبعه الرفق فقال :﴿والناشطات﴾ أي المخرجات برفق للأرواح أو لأجنحتها من محالها ﴿نشطاً *﴾ أي رفقاً فلا تدع وإن كان رفيقاً بين الروح والسجد تعلقاً كما ينشط الشيء من العقال أي يحل من عروة كانت عقدت على هيئة الأنشوطة، قال الفراء إنه سمع العرب يقولون : نشطت العقال - إذا حللته، وأنشطت - إذا عقدت بأنشوطة - والنشط أيضاً : الجذب والنزع، يقال : نشطت الدلو نشطاً - إذا نزعتها.
انتهى، والنشط والإنشاط مدك الشيء إلى نفسك حتى ينحل، وكان هذا الأرواح أهل الطاعة، وكذلك نزع النبات والإنساء والإنماء لكل ما يراد نزعه أو نشطه، فالذي قدر بعض عبيده على هذا الذي فيه تمييز الأرواح من غيرها على ما لها من اللطافة وشدة الممازجة قادر على تمييز جسد كل ذي روح من جسد غيره بعد ان صار كل تراباً واختلط بتراب الآخر.


الصفحة التالية
Icon