سورة الكوثر
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٤٦
لما كانت سورة الدين بإفضاحها ناهية عن مساوئ الأخلاق، كانت بإفهامها داعية إلى معالي الشمين، فجاءت الكوثر لذلك، وكانت الدين قد ختمت بأبخل البخلاء وأدنى الخلائق : المنع تنفيراً من البخل ومما جره من التكذيب، فابتدئت الكوثر بأجود الجود.
العطاء لأشرف الخلائق ترغيباً فيه وندباً إليه، فكان كأنه قيل : أنت يا خير الخلق غير متلبس بشيء مما نهت عنه تلك المختتمة بمنع الماعون :﴿إنا﴾ بما لنا من العظمة وأكد لأجل تكذيبهم :﴿أعطيناك﴾ أي خولناك مع التمكين العظيم، ولم يقل : آتيناك، لأن الإيتاء أصله الإحاضر وإن اشتهر في معنى الإعطاء ﴿الكوثر *﴾ الذي هو من جملة الجود على المصدقين بيوم الدين.
ولما كان كثير الرئيس أكثر من كثير غيره، فكيف بالملك فكيف بملك الملوك، فكيف إذا أخرجه في صيغة مبالغة فكيف إذا كان في مظهر العظمه، فكيف إذا بنيت الصيغة على الواو الذي له العلو والغلبة فكيف إذا أتت إثر الفتحة التي لها من ذلك مثل ذلك بل أعظم، كان المعنى : أفضنا عليك وأبحناك من كل شيء من الأعيان والمعاني من العلم والعمل وغيرهما من معادن الدارين ومعاونهما الخير الذي لا غاية له، فلا
٥٤٧
يدخل تحت الوصف، فأغنيناك عن أن تؤثر بذلك أو توفر مالك بجلي نفع أو دفع ضر، ومنه النهر الذي في الجنة ويسقي المؤمنين من الحوض الممدود منه في المحشر الذي مثاله في الدنيا شريعته ﷺ التي عراها وأسبابها عدد النجوم الذين هم علماء أمته المقتدى بهم، فقد اجتمع لك الغبطتان : أشرف العطاء من أكرم المعطين وأعظمهم.