سورة الصافات
مكية وهي مائة واثنان وثمانون آية، وثمان مئة وستون كلمة، وثلاثة آلاف وثمان مئة وستة وعشرون حرفاً
﴿بسم الله﴾ الذي له الكمال المطلق ﴿الرحمن﴾ الذي من رحمته العدل في الدارين ﴿الرحيم﴾ الذي لا يدنو من جنابه نقص واختلف في تفسير قوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٧
﴿والصافات صفا﴾ أي : وهو ترتيب الجمع على خط، فقال ابن عباس والحسن وقتادة : هم الملائكة في السماء يصفون كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة، وعن جابر بن سمرة قال :
٤٤٨
قال رسول الله ﷺ "ألا تصفون كصفوف الملائكة عند ربهم" قلنا : وكيف تصف الملائكة عند ربهم ؟
قال :"يتمون الصفوف المتقدمة ويتراصون في الصف". وقيل : هي الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة حتى يأمرها الله تعالى بما يريد، وقيل : هي الطير تصف أجنحتها في الهواء لقوله تعالى :﴿والطير صافات﴾ (النور : ٤١)
. واختلف أيضاً في قوله تعالى :
﴿فالزاجرات زجراً﴾ فأكثر المفسرين على أنها الملائكة تزجر السحاب وتسوقه، وقال قتادة : هي زواجر القرآن تنهي وتزجر عن القبيح، واختلف أيضاً في قوله تعالى :
﴿فالتاليات ذكراً﴾ فالأكثر أيضاً، أنهم الملائكة عليهم السلام يتلون ذكر الله تعالى، وقيل : هم جماعة قراء القرآن.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٨
فإن قيل : قال أبو مسلم الأصفهاني : لا يجوز حمل هذه الألفاظ على الملائكة ؛ لأنها مشعرة بالتأنيث والملائكة عليهم السلام مبرؤون من هذه الصفة. أجيب بوجهين :
الأول : أن الصافات جمع الجمع فإنه يقال : جماعة صافة ثم تجمع على صافات.
والثاني : أنهم مبرؤون من التأنيث المعنوي وأما التأنيث اللفظي فلا، وكيف وهم يسمون بالملائكة مع أن علامة التأنيث حاصلة.
تنبيه : اختلف الناس ههنا في المقسم به على قولين :
أحدهما : أن المقسم به خالق هذه الأشياء لنهيه ﷺ عن الحلف بغير الله تعالى، ولأن الحلف في مثل هذا الموضع تعظيم للمحلوف به، ومثل هذا التعظيم لا يليق إلا بالله تعالى، ففي ذلك إضمار تقديره ورب الصافات ورب الزاجرات ورب التاليات، ومما يؤيد هذا أنه تعالى صرح به في قوله تعالى :﴿والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها﴾ (الشمس : ٥ ـ ٧)
والثاني : وعليه الأكثر أن المقسم به هذه الأشياء لظاهر اللفظ فالعدول عنه خلاف الدليل، وأما النهي عن الحلف بغير الله تعالى فهو نهي للمخلوق عن ذلك، وأما قوله تعالى :﴿وما بناها﴾ فإنه علق لفظ القسم بالسماء ثم عطف عليه القسم بالباني للسماء ولو كان المراد بالقسم بالسماء القسم بمن بنى السماء لزم التكرار في موضع واحد، وهو لا يجوز، وأيضاً لا يبعد أن تكون الحكمة في قسم الله تعالى بهذه الأشياء، التنبيه على شرف ذواتها.
وقال البيضاوي : أقسم بالملائكة الصافين في مقام العبودية على مراتب باعتبارها تفيض عليهم أنوار الهيبة منتظرين لأمر الله الزاجرين، للأجرام العلوية والسفلية بالتدبير المأمور فيها، أو الناس عن المعاصي بإلهام الخبر، أو الشياطين عن التعرض لهم التالين لآيات الله وجلايا قدسه على أنبيائه وأوليائه أو بطواف الأجرام المترتبة كالصفوف المرصوصة والأرواح المدبرة لها والجواهر القدسية المستغرقة في بحار القدس يسبحون الليل والنهار لا يفترون، أو بنفوس العلماء الصادقين في العبارات الزاجرين عن الكفر والفسوق بالحجج والنصائح التالين آيات الله وشرائعه، أو بنفوس الغزاة الصادقين في الجهاد الزاجرين للخيل والعدو التالين ذكر الله لا يشغلهم عنه مباراة العدو، وقال الزمخشري : الفاء في، فالزاجرات والتاليات إما أن تدل على ترتب معانيها في الوجود كقوله :
٤٤٩
*يا لهف زيابة للحرث ** الصابح فالغانم فالآيب*
أي : الذي صبح فغنم فآب، وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه كقولك : خذ الأفضل فالأكمل واعمل الأحسن فالأجمل، وإما على ترتب موصوفاتها كقوله :"رحم الله المحلقين فالمقصرين"، والبيضاوي ذكر هذا حديثاً قال شيخنا القاضي زكريا : لم أره بهذا اللفظ ا. ه، لكنه لفضل المتقدم على المتأخر وهذا للعكس، وقرأ أبو عمرو وحمزة بالإدغام فيما ذكر، والباقون بالإظهار ؛ وجواب القسم.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٨
إن إلهكم﴾
أي : الذي اتخذتم من دونه آلهة ﴿لواحد﴾ إذ لو لم يكن واحداً لاختل هذا الاصطفاف والزجر والتلاوة وما يترتب عليها فكان غير حكيم، فإن قيل : ذكر الحلف في هذا الموضع غير لائق وبيانه من وجهين :
الأول : أن المقصود من هذا القسم إما إثبات هذا المطلوب عند المؤمن أو الكافر، فالأول باطل ؛ لأن المؤمن مقرّ به من غير حلف.
والثاني : باطل أيضاً ؛ لأن الكافر لا يقرّ به سواء حصل الحلف أو لم يحصل فهذا الحلف عديم الفائدة على كل تقدير، الثاني : أنه يقال أقسم في أول هذه السورة على أن الإله واحد وأقسم في أول سورة الذاريات على أن القيامة حق، فقال :﴿والذاريات ذرواً﴾ (الذاريات : ١)
إلى قوله ﴿إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع﴾ (الذاريات : ٥)
وإثبات هذه المطالب العالية الشريفة على المخالفين من الدهرية وأمثالهم بالحلف لا يليق بالعقلاء ؟
أجيب : عن ذلك بأوجه :
أولها : أنه تعالى قرر التوحيد وصحة البعث والقيامة في غالب السور بالدلائل اليقينية، فلما تقدم ذكر تلك الدلائل لم يبعد تقريرها بذكر القسم تأكيداً لما تقدم لاسيما والقرآن أنزل بلغة العرب وإثبات المطالب بالحلف واليمين طريقة مألوفة عند العرب.


الصفحة التالية
Icon