سورة الجاثية
مكية إلا ﴿قل للذين آمنوا يغفروا﴾ الآية هي سبع وثلاثون آية وأربعمائة وثمان وثمانون كلمة، وألفان ومائة وواحد وتسعون حرفاً
﴿بسم الله﴾ الذي تفرد بتمام العز والكبرياء ﴿الرحمن﴾ الذي أحكم رحمته بالبيان العام للسعداء والأشقياء ﴿الرحيم﴾ الذي خص بملابسة طاعته الأولياء وتقدم الكلام على قوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٠٠
﴿حم﴾ ثم إن جعلتها اسماً مبتدأ مخبراً عنه بقوله تعالى :
﴿تنزيل الكتاب﴾ أي : الجامع لكل خير لم يكن بد من حذف مضاف تقديره، تنزيل حم تنزيل الكتاب. وقوله تعالى :﴿من الله﴾ أي : المحيط بصفات الكمال صلة للتنزيل، وإن جعلتها تعديداً للحروف كان تنزيل الكتاب مبتدأ والظرف خبراً ﴿العزيز﴾ في ملكه ﴿الحكيم﴾ في صنعه.
ولما كانت الحواميم كما روى أبو عبيدة في كتاب الفضائل عن ابن عباس لبيان القرآن حذف ما ذكر في البقرة من قوله تعالى ﴿خلق﴾ ليكون ما هنا أشمل فقال تعالى :
﴿إن في السموات﴾ أي : ذواتها بما لها من الدلالة على صانعها وخلقها على ما فيها من العبر بما فيها من المنافع وعظيم الصنعة وما لها من الشفوف الدال على تعددها بما فيها من الكواكب ﴿والأرض﴾ كذلك وبما حوت من المعادن والمعاش ﴿لآيات﴾ أي : دلالات على وجود الإله القادر الفاعل المختار فإن من المعلوم أنه لا بد لكل ذلك من صانع متصف بذلك وقال تعالى ﴿للمؤمنين﴾ لأنهم برسوخهم في هذا الوصف الشريف أهل للنظر لأن ربهم يهديهم بإيمانهم، فشواهد الربوبية لهم منهما لائحة وأدلة الإلهية فيهما واضحة.
٧٠١
ولما ذكر سبحانه وتعالى النظر في آيات الآفاق أتبعها آيات الأنفس بقوله تعالى :
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٠١
وفي خلقكم﴾
أي : خلق كل منكم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة إلى أن صار إنساناً المخالف لخلق الأرض التي أنتم منها بالاختيار والعقل والانتشار والقدرة على السار والضار ﴿وما﴾ أي : وخلق ما ﴿يبث﴾ أي : ينشر ويفرق بالحركة الاختيارية على سبيل التجدد والاستمرار ﴿من دابة﴾ مما تعلمون ومما لا تعلمون بما في ذلك من مشاركتكم بالاختيار والهداية للمنافع بإدراك الجزيئات ومخالفتكم في الصورة والعقل وإدراك الكليات وغير ذلك من مخالفة الأشكال والطبائع والمنافع وغير ذلك ﴿آيات﴾ دالة على قدرة الله تعالى ووحدانيته.
وقرأ حمزة والكسائي آيات بكسر التاء حملاً على اسم إن، والباقون بالرفع حملاً على محل إن واسمها، ولما كانت آيات الأنفس أدق وأدل على القدرة والاختيار بما لها من التجدد والاختلاف قال تعالى ﴿لقوم﴾ أي : فيهم أهلية القيام بما يحاولونه ﴿يوقنون﴾ أي : يتجدد لهم العروج في درجات الإيمان إلى أن يصلوا إلى شرف الإيقان فلا يخالجهم شك في وحدانيته.
﴿واختلاف الليل والنهار﴾ بذهاب أحدهما ووجود الآخر بعد ذهابه على التعاقب آية متكررة للدلالة على القدرة على الإيجاد بعد الإعدام بالبعث وغيره ﴿وما أنزل الله﴾ أي : الذي تمت عظمته فنفذت كلمته ﴿من السماء من رزق﴾ أي : مطر وغيره من الأسباب المهيئة لإخراج الرزق ﴿فأحيا به﴾ أي : بسببه ﴿الأرض﴾ أي : الصالحة للحياة ولذلك قال تعالى ﴿بعد موتها﴾ أي : يبسها وتهشيم ما كان فيها من النبات ﴿وتصريف﴾ أي : تحويل ﴿الرياح﴾ باختلاف جهاتها وأحوالها.
وقرأ حمزة والكسائي بالتوحيد، والباقون بالجمع وقوله تعالى ﴿آيات﴾ فيه القراءتان المتقدمتان، أما الرفع فظاهر وأما الكسر ففيه وجهان ؛ أحدهما : أنها معطوفة على اسم إن والخبر قوله ﴿وفي خلقكم﴾ كأنه قيل : وإن في خلقكم وما يبث من دابة آيات، والثاني : أن تكون كررت تأكيداً لآيات الأولى ويكون ﴿في خلقكم﴾ معطوفاً على ﴿في السموات﴾ كرر معه حرف الجر توكيداً، ونظيره أن تقول : إن في بيتك زيداً وفي السوق زيداً فزيداً الثاني تأكيد للأول كأنك قلت : إن زيداً زيداً في بيتك وفي السوق وليس في هذه عطف على معمولي عاملين ألبتة.


الصفحة التالية
Icon