سورة الحشر
مدنية
في قول الجميع، وهي أربع وعشرون آية وأربعمائةوخمس وأربعون كلمة، وألف وتسعمائة وثلاثة عشر حرفاً
﴿بسم الله﴾ الملك الأعظم الذي لا خلف لميعاده ﴿الرحمن﴾ الذي عمت نعمة إيجاده ﴿الرحيم﴾ الذي خص أهل ودّه بالتوفيق فهم أهل السعادة.
ولما ختمت المجادلة بأنه يعز أهل طاعته ويذل أهل معصيته تنزه عن النقائص تأييداً للوعد بنصرهم فقال تعالى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٠
﴿سبح﴾ أي : أوقع التنزيه الأعظم عن كل شائبة نقص ﴿لله﴾ الذي أحاط بجميع صفات الكمال ﴿ما في السموات﴾ أي : كلها ﴿وما في الأرض﴾ أي : كذلك، وقيل : أن اللام مزيدة، أي : نزهة وأتى بما تغليباً للأكثر، وجمع السماء لأنها أجناس.
قيل : بعضها من فضة وبعضها من غير ذلك، وأفراد الأرض لأنها جنس واحد ﴿وهو﴾ أي : والحال أنه وحده ﴿العزيز﴾ الذي يغلب كل شيء، ولا يمتنع عليه شيء ﴿الحكيم﴾ الذي نفذ علمه في الظواهر والبواطن، وأحاط بكل شيء فأتقن ما أراد، فكل ما خلقه جعله على وحدانيته دليلاً، وإلى بيان ماله من العزة والحكمة سبيلاً.
٢٥١
وقرأ قالون وأبو عمرو والكسائي بسكون الهاء، والباقون بضمها، قال المفسرون : نزلت هذه السورة في بني النضير، وذلك أنّ النبي ﷺ لما دخل المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يكونوا عليه ولا له، فلما غزا بدراً وظهر على المشركين قالوا : هو النبيّ الذي نعته في التوراة لا تردّ له راية، فلما غزا أحد وهزم المسلمون ارتابوا وأظهروا العداوة لرسول الله ﷺ والمؤمنين، ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥١
وركب كعب بن الأشرف في أربعين راكباً من اليهود إلى مكة، فأتوا قريشاً فحالفوهم وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على رسول الله ﷺ ودخل أبو سفيان في أربعين وكعب في أربعين من اليهود المسجد، وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين أستار الكعبة، ثم رجع كعب وأصحابه إلى المدينة فنزل جبريل عليه السلام، وأخبر النبيّ ﷺ بما عاقد عليه كعب وأبو سفيان، فأمر النبيّ ﷺ بقتل كعب بن الأشرف فقتله محمد بن مسلمة، فلما قتل كعب بن الأشرف أصبح رسول الله ﷺ وأمر الناس بالمسير إلى بني النضير، وكانوا بقرية يقال لها : زهرة فلما سار إليهم رسول الله ﷺ وجدهم ينوحون على كعب، وقالوا : يا محمد واعية على أثر واعية، وباكية على أثر باكية، قال : نعم، قالوا : ذرنا نبكي شجونا ثم ائتمر أمرك، فقال النبي ﷺ اخرجوا من المدينة، فقالوا : الموت أقرب إلينا من ذلك، ثم تنادوا بالحرب وآذنوا بالقتال، ودس المنافقون عبد الله بن أبيّ وأصحابه إليهم أن لا تخرجوا من الحصن، فإن قاتلوكم فنحن معكم ولا نخذلكم ولننصرنكم، ولئن خرجتم لنخرجنّ معكم، فدربوا على الأزفة وحصنوها، ثم إنهم اجمعوا الغدر برسول الله ﷺ فأرسلوا إليه أن اخرج في ثلاثين رجلاً من أصحابك، ويخرج منا ثلاثون حتى نلتقي بمكان نصف بيننا وبينك فيسمعون منك، فإن صدّقوك وآمنوا بك آمنا كلنا. فخرج النبي ﷺ في ثلاثين من أصحابه، وخرج إليه ثلاثون حبراً من اليهود حتى إذا كانوا في براز من الأرض، قال بعض اليهود لبعض : كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون من رجال أصحابه كلهم يحب الموت قبله، ولكن أرسلوا إليه كيف نفهم ونحن ستون رجلاً اخرج في ثلاثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلاثة من علمائنا فيسمعون منك، فإن آمنوا بك آمنا كلنا بك وصدقناك.


الصفحة التالية
Icon