سورة المعارج
مكية
وهي أربع وأربعون آية، ومائتانوست عشرة كلمة، وألف وأحد وستون حرفاً
﴿بسم الله﴾، أي : الذي تنقطع الأعناق والآمال دون عليائه ﴿الرحمن﴾ الذي لا مطمع لأحد في حصر أوصافه ﴿الرحيم﴾ الذي اصطفى من عباده من وفقه فكان من أوليائه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١٩
﴿سأل سائل﴾ أي : دعا داع ﴿بعذاب واقع﴾ فضمن سأل معنى دعا، فلذلك عدى تعديته، وقيل : الباء بمعنى عن كقوله تعالى :﴿فاسأل به خبيراً﴾ (الفرقان : ٥٩)، أي : عنه، أي : سأل سائل عن عذاب واقع، والأول أولى لأن التجوز في الفعل أولى منه في الحرف لقوتّه.
واختلف في هذا الداعي فقال ابن عباس رضي الله عنهما : هو النضر بن الحارث حيث قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزل سؤاله وقتل يوم بدر صبراً هو وعتبة بن أبي معيط لم يقتل صبراً غيرهما، وقيل : هو الحارث بن النعمان، وذلك "أنه لما بلغه قول النبي ﷺ في عليّ : من كنت مولاه فعليّ مولاه ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالإبطح، ثم قال : يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه وأن نصلي خمساً ونزكي أموالنا فقبلناه منك، وأن نصوم شهر رمضان في عام فقبلناه منك وأن نحج فقبلناه منك ثم لم ترض حتى فضلت ابن عمك علينا، أفهذا شيء منك أم من الله تعالى ؟
فقال النبي ﷺ "والذي لا إله إلا هو ما هو إلا من الله" فولى الحارث وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فوالله ما وصل إلى ناقته حتى رماه الله تعالى بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله فنزلت.
وقال الربيع : هو أبو جهل، وقيل : إنه قول جماعة من كفار قريش، وقيل : هو نوح عليه
٤٢٠
السلام سأل العذاب على الكافرين، وقيل : هو نبينا ﷺ استعجل بعذاب الكافرين ويدل عليه قوله تعالى بعد ذلك ﴿فاصبر صبراً جميلاً﴾ أي : لا تستعجل فإنه قريب، وقرأ نافع وابن عامر بغير همز بعد السين، والباقون بهمزة مفتوحة بعد السين.
تنبيه : ما تقدم من الوجهين في كون سأل ضمن أو أن الباء بمعنى عن هو على القراءة بالهمز، وأما على عدمه ففيه وجهان : أحدهما : أنه لغة في السؤال يقال : سأل يسأل كخاف يخاف وعين الكلمة واو، قال الزمخشري : وهي من لغة قريش.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٢٠
والثاني : أنه من السيل ومعناه اندفع عليهم واد بعذاب، وقيل : سال واد من أودية جهنم وقوله تعالى :﴿للكافرين﴾ فيه أوجه : أحدها : أنه يتعلق بسأل مضمناً معنى دعا كما مر، أي : دعا لهم بعذاب واقع. الثاني : أنه يتعلق بواقع واللام للعلة، أي : نازل لأجلهم. الثالث : أن يتعلق بمحذوف صفة ثانية للعذاب، أي : كائن للكافرين. الرابع : أن يكون جواباً للسائل فيكون خبر مبتدأ مضمر، أي : هو للكافرين. الخامس : أن تكون اللام بمعنى على، أي : واقع على الكافرين.
﴿ليس له﴾ أي : بوجه من الوجوه ولا حيلة من الحيل ﴿دافع﴾ يردّه.
وقوله تعالى :﴿من الله﴾ أي : الملك الأعلى الذي لا كفء له يجوز أن يتعلق بدافع بمعنى ليس له دافع من جهته إذا جاء وقته لتعلق إرادته به وأن يتعلق بواقع، وبه بدأ الزمخشري، أي : واقع من عنده ﴿ذي المعارج﴾ أي : المصاعد وهي الدرجات التي يصعد فيها الكلم الطيب والعمل الصالح أو يترقى فيها المؤمنون في سلوكهم أو في دار ثوابهم، أو مراتب الملائكة أو السموات، قال ابن عباس رضي الله عنهما : أي : ذي السموات، سماها معارج الملائكة لأن الملائكة يعرجون فيها فوصف نفسه بذلك، أو ذي العلوّ والدرجات الفواضل والنعم، لأنها تصل إلى الناس على مراتب مختلفة، قاله ابن عباس وقتادة رضي الله عنهم، فالمعارج مراتب إنعامه على الخلق. وقيل : ذي العظمة والعلا، وقيل : المعارج الغرف، أي : إنه ذو الغرف، أي : جعل لأوليائه الجنة غرفاً.
وقرأ :﴿تعرج الملائكة﴾ الكسائي بالياء التحتية، والباقون بالتاء الفوقية، وأدغم جيم المعارج في تاء تعرج هنا السوسي، واستضعف بعضهم ذلك من حيث إن مخرج الجيم بعيد من مخرج التاء. وأجيب عن ذلك بأن الإدغام يكون لمجرد الصفات وإن لم يتقاربا في المخرج والجيم تشارك التاء في الاستفال والانفتاح والشدة والجملة من تعرج مستأنفة.
وقوله تعالى :﴿والروح﴾ من عطف الخاص على العام إن أريد بالروح جبريل عليه السلام كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما لقوله تعالى :﴿نزل به الروح الأمين﴾ (الشعراء : ١٩٣)