سورة القيامة
مكية
وهي تسع وثلاثون آية، ومائة وسبع وتسعون كلمة، وستمائة واثنان وخمسون حرفاً
﴿بسم الله﴾ الذي له الجلال والكمال ﴿الرحمن﴾ الذي عمّ بنعمة الإيجاد أهل الهدى والضلال ﴿الرحيم﴾ الذي سدد أهل العناية في الأفعال والأقوال.
واختلف في لا في قوله تعالى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٩٠
﴿لا أقسم﴾ على أوجه :
أحدها : أنها نافية لكلام المشركين المنكرين للبعث أي : ليس الأمر كما زعموا ثم ابتدأ أقسم ﴿بيوم القيامة﴾ قال القرطبي : إن القرآن جاء بالردّ على الذين أنكروا البعث والجنة والنار، فجاء الإقسام بالردّ عليهم كقولك : لا والله لا أفعل فلا ردّ لكلام قد مضى كقولك : لا والله إن القيامة لحق كأنك أكذبت قوماً أنكروه.
الثاني : أنها مزيدة مثلها في ﴿لئلا يعلم أهل الكتاب﴾ (الحديد : ٢٩)
واعترضوا هذا بأنها إنما تزاد في وسط الكلام لا في أوّله. وأجيب : بأنّ القرآن في حكم سورة واحدة متصل بعضه ببعض يدل على ذلك أنه قد يجيء ذكر الشيء في سورة ويذكر جوابه في سورة أخرى كقوله تعالى :﴿يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون﴾ (الحجر : ٦)
وجوابه في سورة أخرى ﴿ما أنت بنعمة ربك بمجنون﴾ (القلم : ٢)
وإذا كان كذلك كان أوّل هذه السورة جارياً مجرى الوسط، وردّ هذا بأنّ القرآن في حكم السورة الواحدة في عدم التناقض لا أن تقرن سورة بما بعدها، فذلك غير جائز.
الثالث : قال الزمخشري : إدخال لا النافية على فعل القسم مستفيض في كلامهم وأشعارهم،
٤٩١
قال امرؤ القيس :
*لا وأبيك ابنة العامريّ ** لا يدّعي القوم أني أفر*
وفائدتها : توكيد القسم، ثم قال الزمخشري بعد أن ذكر وجه الزيادة والاعتراض : والجواب كما تقدّم والوجه أن يقال : هي للنفي، والمعنى في ذلك : أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاماً له يدل عليه قوله تعالى :﴿فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم﴾ (الجمعة : ٧٥ ـ ٧٦)
فكأنه بإدخال حرف النفي يقول : إن إعظامي له بإقسامي به كلا إعظام، يعني أنه يستأهل فوق ذلك. قال بعضهم : قول الزمخشري : والوجه أن يقال إلى آخره تقرير لقوله : إدخال لا النافية فيه على فعل القسم مستفيض إلى آخره. وحاصل كلامه يرجع إلى أنها نافية وأنّ النفي متسلط على فعل القسم بالمعنى الذي شرحه، وليس فيه نفع لفظاً ولا معنى، وقرأ ابن كثير بخلاف عن البزي بغير ألف بعد اللام والهمزة مضمومة والباقون بالألف ويعبر عن قراءة ابن كثير بالقصر وعن قراءة الباقين بالمدّ.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٩١
ولا خلاف في قوله تعالى :﴿ولا أقسم بالنفس اللوامّة﴾ في المدّ والكلام في لا المتقدّمة وجرى الجلال المحلي على أنها زائدة في الموضعين. واختلف في النفس اللوامّة فقيل : هي نفس المؤمن الذي لا تراه يلوم إلا نفسه تقول : ما أردت بكذا ولا تراه يعاتب إلا نفسه. وقال الحسن رضي الله عنه : هي والله نفس المؤمن ما ترى المؤمن إلا يلوم نفسه ما أردت بكلامي ما أردت بأكلي ما أردت بحديثي، والفاجر لا يحاسب نفسه. وقال مجاهد رضي الله عنه : هي التي تلوم على ما فات، فتلوم نفسها على الشرّ لم فعلته، وعلى الخير لم لا تستكثر منه، وقيل : تلوم نفسها بما تلوم عليه غيرها. وقيل : المراد آدم عليه السلام لم يزل لائماً نفسه على معصيته التي أخرج بها من الجنة. وقيل : هي الملومة فتكون صفة ذمّ وهو قول من نفى أن تكون قسماً، وعلى الأوّل صفة مدح فيكون القسم بها سائغاً. وقال مقاتل رضي الله عنه : هي نفس الكافر يلوم نفسه تحسراً في الآخرة على ما فرّط في جنب الله تعالى.
وجواب القسم محذوف أي : لتبعثنّ دل عليه قوله تعالى :﴿أيحسب الإنسان﴾ أي : هذا النوع الذي جبل على الأنس بنفسه والنظر في عطفية وأسند الفعل إلى النوع كله ؛ لأنّ أكثرهم كذلك لغلبة الحظوظ على العقل إلا من عصم الله تعالى، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين والباقون بكسرها ﴿ألن﴾ أي : أنا لا ﴿نجمع﴾ أي : على ما لنا من العظمة ﴿عظامه﴾ أي : التي هي قالب بدنه فنعيدها كما كانت بعد تمزقها وتفتتها للبعث والحساب.
وقيل : نزلت في عدي بن ربيعة حليف بني زهرة خال الأخنس بن شريق الثقفي وذلك أن عدياً أتى النبيّ ﷺ فقال : يا محمد حدّثني عن القيامة متى تقوم ؟
وكيف أمرها وحالها ؟
فأخبره النبيّ ﷺ بذلك فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أؤمن بك، أَوَ يجمع الله العظام بعد تفرّقها ورجوعها رميماً ورفاتاً مختلطاً بالتراب وبعد ما نسفتها الرياح وطيرتها في أباعد الأرض ولهذا كان
٤٩٢
النبيّ ﷺ يقول :"اللهمّ اكفني جاري السوء عدي بن ربيعة والأخنس بن شريق" وقيل : نزلت في عدوّ الله أبي جهل أنكر البعث بعد الموت وذكر العظام، والمراد نفسه كلها لأنّ العظام قالب الخلق.
تنبيه : ألن هنا موصولة وليس بين الهمزة واللام نون في الرسم كما ترى.


الصفحة التالية
Icon