سورة الطارق
مكية
وهي سبع عشرة آية واثنتان وسبعون كلمة ومائتان وإحدى وسبعون حرفاً
﴿بسم الله﴾ مالك الخلق أجمعين ﴿الرحمن﴾ الذي عمّ جوده المؤمنين والكافرين ﴿الرحيم﴾ الذي خص رحمته بعباده المؤمنين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٨٩
وقوله تعالى :﴿والسماء والطارق﴾ قسم أقسم الله تعالى به، وقد أكثر الله تعالى في كتابه العزيز ذكر السماء والشمس والقمر ؛ لأنّ أحوالها في أشكالها وسيرها ومطالعها ومغاربها عجيبة. ولما كان الطارق يطلق على غير النجم أبهمه أوّلاً، ثم عظم القسم به بقوله تعالى :
﴿وما أدراك﴾ أي : أعلمك يا أشرف خلقنا، وإن حاولت معرفة ذلك وبالغت في الفحص عنه ﴿ما الطارق﴾ وهذا مبتدأ وخبر في محل المفعول الثاني لأدري، وما بعد ما الأولى خبرها، وفيه تعظيم لشأن الطارق. وأصله كل آت ليلاً ومنه النجوم لطلوعها ليلاً. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وشعبة وابن ذكوان بخلافٍ عنه بالإمالة محضة، وقرأ ورش بين اللفظين والباقون بالفتح.
ثم فسر الطارق بقوله تعالى :
﴿النجم الثاقب﴾ أي : المضيء لثقبه الظلام بضوئه فينفذ فيه كما قيل : دُرِّيّ لأنه يدرؤه، أي : يدفعه، والمراد جنس النجوم أو جنس الشهب التي يرجم بها. وقال محمد بن الحسين : هو زحل. وقال ابن زيد : هو الثريا. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هو الجدي. وقال عليّ : هو نجم في السماء السابعة لا يسكنها غيره من النجوم فإذا أخذت النجوم أمكنتها من السماء هبط فكان معها، ثم يرجع إلى مكانه من السماء السابعة فهو طارق حين ينزل وحين يرجع.
وفي الصحاح : الطارق النجم الذي يقال له : كوكب الصبح. قال الماوردي : وأصل الطرق الدق، ومنه سميت المطرقة، وسمي النجم طارقاً لأنه يطرق الجني أي : يقتله. روي أنّ أبا طالب أتى النبيّ ﷺ بخبز ولبن فبينما هو جالس يأكل إذا انحط نجم فامتلأت الأرض نوراً ففزع أبو طالب، وقال : أيّ شيء هذا ؟
فقال رسول الله ﷺ "هذا نجم رمي به وإنه آية من آيات الله تعالى"
٥٩٠
فعجب أبو طالب فنزلت السورة. وقال مجاهد : الثاقب المتوهج، وجواب القسم.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٩٠
إن كل نفس﴾
أي : من الأنفس مطلقاً لا سيما نفوس الناس ﴿لما عليها﴾ أي : بخصوصها ﴿حافظ﴾ وقرأ ابن عامر وعاصم بتشديد الميم والباقون بتخفيفها تكون مزيدة، وإن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، أي : أنه واللام فارقة وعلى تشديدها فإن نافية، ولما بمعنى إلا. والحافظ : هو المهيمن الرقيب وهو الله تعالى، ﴿وكان الله على كل شيء رقيباً﴾ (الأحزاب : ٥٢)، ﴿وكان الله على كل شيء مقيتاً﴾ (النساء : ٨٥)، أو ملك يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكسب من خير وشرّ. وروى الزمخشري عن النبيّ ﷺ أنه قال :"وكل بالمؤمن مائة وستون ملكاً يذبون عنه كما يذب أحدكم عن قصعة العسل الذباب ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين اختطفته الشياطين. ولما ذكر تعالى أن على كل نفس حافظاً أتبعه بوصية الإنسان بالنظر في حاله فقال تعالى :
﴿فلينظر الإنسان﴾ أي : الآنس بنفسه الناظر في عطفه نظر اعتبار في أمره ونشأته الأولى حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته فيعمل ليوم الإعادة والجزاء، ولا يملي على حافظه إلا ما يسرّه في عاقبته. وقوله تعالى :﴿مم خلق﴾ استفهام، أي : من أيّ شيء، وجوابه.
﴿خلق﴾ أي : الإنسان على أيسر وجه وأسهله بعد خلق أبيه آدم عليه السلام من تراب وأمّه حوّاء رضي الله تعالى عنها من ضلعه. ﴿من ماء دافق﴾ أي : مدفوق، فاعل بمعنى مفعول كقوله تعالى :﴿عيشة راضية﴾ (الحاقة : ٢١)
أو دافق على النسب، أي : ذي دفق أو اندفاق. وقال ابن عطية : يصح أن يكون الماء دافقاً ؛ لأنّ بعضه يدفق بعضاً أي : يدفعه فمنه دافق ومنه مدفوق، والدفق الصب أي : مصبوب في الرحم، ولم يقل تعالى من ماءين فإنه من ماء الرجل وماء المرأة، لأنّ الولد مخلوق منهما لامتزاجهما في الرحم فصارا كالماء الواحد، واتحادهما حين ابتدئ في خلقه.


الصفحة التالية
Icon