سورة الشمس
مكية
وهي خمس عشرة آية وأربع وخمسون كلمةومائتان وسبعة وأربعون حرفاً
﴿بسم الله﴾ الذي له الأسماء الحسنى ﴿الرحمن﴾ الذي يعلم السرّ وأخفى ﴿الرحيم﴾ الذي خص خواصه بالفردوس الأعلى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٢١
وقوله تعالى :﴿والشمس﴾، أي : الجامعة بين النفع والضرّ، بالنور والحرّ ﴿وضحاها﴾ قسم وقد تقدّم الكلام على أن الله تعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته وقيل : التقدير ورب الشمس إلى تمام القسم. واختلف في قوله تعالى :﴿وضحاها﴾ فقال مجاهد والكلبي : ضوءها وقال قتادة : هو النهار كله. وقال مقاتل : هو حرّها، وقال لقوله تعالى في طه :﴿ولا تضحى﴾ (طه : ١١٩)، أي : لا يؤذيك الحرّ. وقال البريدي : انبساطها. قال الرازي : إنما أقسم بالشمس لكثرة ما يتعلق بها من المصالح، فإن أهل العالم كانوا كالأموات في الليل، فلما ظهر الصبح في المشرق صار ذلك الضوء كالروح الذي تنفخ فيه الحياة فصارت الأموات أحياء، ولا تزال تلك الحياة في القوّة والزيادة إلى غاية كمالها وقت الضحوة، وذلك يشبه استقرار أهل الجنة.
﴿والقمر﴾، أي : المكتسب من نورها كما أن أنوار النفوس من أنوار العقول ﴿إذا تلاها﴾، أي : تبعها، وذلك إذا سقطت رؤى الهلال. قال الليث : يقال تلوت فلاناً إذا اتبعته. وقال ابن زيد : إذا غربت الشمس في النصف الأول من الشهر تلاها القمر بالطلوع وفي آخر الشهر يتلوها بالغروب. وقال الفرّاء : تلاها، أي : أخذ منها يعني أن القمر يأخذ من ضوء الشمس. وقال الزجاج : تلاها، أي : حين استوى ودار وكان مثلها في الضياء والنور وذلك في الليالي البيض.
﴿والنهار﴾، أي : الذي هو محل الانتشار فيما جرت به الأقدار ﴿إذا جلاها﴾، أي : الشمس بارتفاعه لأن الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء وقيل : الضمير للظلمة أو للدنيا أو للأرض وإن لم يجر لها ذكر، كقولهم : أصبحت باردة يريدون الغداة، وأرسلت يريدون السماء.
﴿والليل﴾، أي : الذي هو ضدّ النهار فهو محل السكون والانقباض ﴿إذا يغشاها﴾، أي :
٦٢٢
يغطيها بظلمته فتغيب وتظلم الآفاق وقيل : الكتابة للأرض، أي : يغشى الدنيا بالظلمة فتظلم الآفاق فالكناية ترجع إلى غير مذكور، وجيء يغشاها مضارعاً دون ما قبله وما بعده مراعاة للفواصل ؛ إذ لو أتى به ماضياً لكان التركيب إذا غشيها فتفوت المناسبة اللفظية بين الفواصل والمقاطع.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٢٢
تنبيه : إذا في الثلاثة لمجرّد الظرفية والعامل فيها فعل القسم.
﴿والسماء وما﴾، أي : ومن ﴿بناها﴾، أي : خلقها على هذا السقف المحكم. أقسم تعالى بنفسه وبأعظم مخلوقاته.
وقوله تعالى :﴿والأرض﴾، أي : التي هي فراشكم ﴿وما﴾، أي : ومن ﴿طحاها﴾، أي : بسطها وسطحها على الماء كذلك.
وكذا قوله تعالى :﴿ونفس﴾، أي : أي نفس جمع فيها سبحانه العالم بأسره ﴿وما﴾، أي : ومن ﴿سوّاها﴾، أي : عدلها على هذا القانون الأحكم في أعضائها، وما فيها من الجواهر والأعراض والمعاني وغير ذلك. فإن قيل : لم نُكرت النفس ؟
أجيب : بوجهين :
أحدهما : أنه يريد نفساً خاصة من بين النفوس، وهي نفس آدم عليه السلام، كأنه قال تعالى : وواحدة من النفوس.
ثانيهما : أنه يريد كل نفسٍ، ونكره للتكثير على الطريقة المذكورة في قوله تعالى :﴿علمت نفس﴾ (التكوير : ١٤)
وإنما أوثرت ما على من فيما ذكر لإرادة الوصفية بما ضمنا وإن لم يوصف بلفظها ؛ إذ المراد أنها تقع على نوع من يعقل وعلى صفته، ولذلك مثلوا بقوله تعالى :﴿فانكحوا ما طاب لكم﴾ (النساء : ٣)
وقدّروها بأنكحوا الطيب، وهذا تنفرد به ما دون من. وهذه الأسماء كلها مجرورة على القسم.
أقسم الله تعالى بأنواع مخلوقاته المتضمنة للمنافع العظيمة حتى يتأمّل المكلف فيها ويشكر عليها، لأنّ الذي يقسم الله تعالى به يحصل به روح في القلب فتكون الدواعي إلى تأمّله أقرب.
﴿فألهمها﴾، أي : النفس ﴿فجورها وتقواها﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : بين لها الخير والشرّ، وعنه : علمها الطاعة والمعصية. وعن أبي صالح : عرّفها ما تأتي وما تتقي. وقال سعيد بن جبير : ألزمها فجورها وتقواها. وقال ابن زيد : جعل فيها ذلك بتوفيقه إياها للتقوى وخذلانه إياها للفجور. واختار الزجاج هذا وحمل الإلهام على التوفيق والخذلان.


الصفحة التالية
Icon