سورة العلق
مكية
وهي عشرون آية واثنتان وسبعون كلمة ومائتان وسبعون حرفاً
﴿بسم الله﴾ الذي له صفة الكمال المستحق للإلهية ﴿الرحمن﴾ الذي عم جوده سائر البرية ﴿الرحيم﴾ الذي خص أهل طاعته بألطافه السنية.
عن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد : أنّ أوّل سورة نزلت من القرآن.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٤٦
﴿اقرأ باسم ربك﴾ وأوّل ما نزل خمس آيات من أولها إلى قوله تعالى :﴿ما لم يعلم﴾ وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أنها قالت :"أوّل ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصالحة" ولمسلم "الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزوّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها حتى جاءه الحق". وفي رواية "حتى فجاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال له : اقرأ. قال : ما أنا بقارئ، قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال : اقرأ، . قلت : ما أنا بقارئ، . قال : فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال : اقرأ، . قلت : ما أنا بقارئ، . قال : فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال :﴿اقرأ باسم ربك﴾ حتى بلغ ﴿ما لم يعلم﴾ فرجع بها رسول الله ﷺ يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال : زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة : لقد خشيت على نفسي، فقالت له خديجة : كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد
٦٤٧
العزى ابن عم خديجة، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله تعالى أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة : يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله ﷺ خبر ما رأى، فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى يا ليتني أكون فيها جذعاً ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، فقال له رسول الله ﷺ أو مخرجيّ هم ؟
فقال : نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي" زاد البخاري قال :"وفتر الوحي حتى حزن النبيّ ﷺ فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً حتى يتردّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل عليه السلام فقال له : يا محمد إنك لرسول الله حقاً فيسكن لذلك جأشه، وتقرّ نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا مثل ذلك، فإذا وافى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له : مثل ذلك". ففي الحديث دليل صحيح على أن سورة اقرأ أوّل ما نزل من القرآن، وفيه ردّ على من قال : إنّ المدثر أول ما نزل من القرآن، وعلى من قال : إنّ الفاتحة أوّل ما نزل ثم سورة القلم. وفي هذا الحديث من مراسيل الصحابة، ومرسل الصحابي حجة عند جميع العلماء إلا ما انفرد به الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني. وإنما ابتدئ ﷺ بالرؤيا لئلا يفجأه الملك فيأتيه بصريح النبوّة بغتة فلا تحملها القوى البشرية، فبدئ بأوائل علامة النبوّة توطئة للوحي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٤٧
تنبيه : محل﴿باسم ربك﴾ النصب على الحال، أي : اقرأ مفتتحاً باسم ربك أو مستعيناً به، قل : بسم الله ثم اقرأ. وقال أبو عبيدة : مجازه اقرأ اسم ربك، يعني : أنّ الباء زائدة، والمعنى : اذكر اسمه، أمر أن يبتدئ القراءة باسم الله تعالى تأديباً. وقيل : الباء بمعنى على، أي : أقرأ على اسم ربك كما في قوله تعالى :﴿وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها﴾ (هود : ٤١)
قاله الأخفش. فإن قيل : كيف قدم هذا الفعل على الجاررّ وقدر مؤخراً في بسم الله الرحمن الرحيم، أي : على سبيل الأولوية كما في ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ (الفاتحة : ٤)
ولأنه تعالى مقدم ذاتاً لأنه قديم واجب الوجود لذاته فيقدم ذكراً ؟
أجيب : بأن هذا في ابتداء القراءة وتعليمها لما مرّ أنها أول سورة نزلت فكان الأمر بالقراءة أهم باعتبار هذا العارض، وإن كان ذكر الله تعالى أهم في نفسه. وذكرت أجوبة غير هذا في مقدّمتي على البسلمة والحمدلة
وقوله تعالى :﴿الذي خلق﴾ يجوز أن لا يقدّر له مفعول، ويراد أنه الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه وأن يقدّر له مفعول ويراد خلق كل شيء فيتناول كل مخلوق لأنه مطلق فليس بعض المخلوقات أولى بتقديره من بعض.
وقوله تعالى :﴿خلق الإنسان﴾ أي : هذا الجنس الذي من شأنه الإنس بنفسه، وما رأى من أخلاقه وحسنه وما ألفه من أبناء جنسه تخصيص بالذكر من بين ما يتناوله الخلق لأنّ التنزيل إليه وهو أشرف ما على الأرض ويجوز أن يراد الذي خلق الإنسان كما قال الله تعالى :﴿الرحمن علم القرآن خلق الإنسان﴾ (الرحمن : ١ ـ ٢)
فقيل : الذي خلق مبهماً، ثم فسره بقوله :{خلق
٦٤٨