سورة تبت
مكية
وهي خمس آيات وثلاث وعشرون كلمة وسبعة وسبعون حرفاً
﴿بسم الله﴾ المتكبر الجبار المضل الهاد ﴿الرحمن﴾ الذي عمّ خلقه بنعمه بعد الإكرام بالإيجاد ﴿الرحيم﴾ الذي خص بتوفيقه أهل الوداد
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧٠٧
وقوله تعالى :﴿تبت يدا أبي لهب﴾ دعاء عليه، وسبب نزول ذلك ما روي عن ابن عباس أنه قال : لما نزل قوله تعالى :﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ (الشعراء : ٢١٤)
صعد ﷺ الصفا جعل ينادي :"يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا عنده، فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولاً لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش، فقال : أرأيتم لو أخبرتكم أنّ العدوّ مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدّقون ؟
قالوا : بلى/.
قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب : تبا لك لهذا دعوتنا جميعاً فنزلت".
وفي رواية أنه ﷺ خرج إلى البطحاء فصعد الجبل ونادى :"يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش وذكر نحوه".
وفي رواية فصعد الصفا فهتف :"يا صباحاه فقالوا : من هذا الذي يهتف ؟
فقالوا : محمد فاجتمعوا إليه فقال ﷺ أرأيتم لو أخبرتكم أنّ خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ ؟
قالوا : ما جربنا عليك كذباً، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب : تباً لك أما جمعتنا إلا لهذا فنزلت".
وعن أبي زيد أنّ ابا لهب أتى النبيّ ﷺ فقال : ماذا أعطى إن آمنت بك يا محمد فقال ﷺ "كما يعطى المسلمون فقال ما لي عليهم فضل ؟
فقال ﷺ وأيّ شيء تبتغي قال : تباً لهذا من دين أن أكون وهؤلاء سواء فنزلت". ومعنى تبت قال ابن عباس : خابت. وقال قتادة : خسرت. وقال
٧٠٨
عطاء : صلت. وقال ابن جبير : هلكت والتباب الهلاك، ومنه قولهم : أشابة أم تابة، أي : هالكة من الهرم والتعجيز، والمعنى : هلكت يداه لأنه فيما يروى أخذ حجراً ليرمي به النبيّ ﷺ وقيل : رماه به فأدمى عقبه فلهذا ذكرت اليد وإن كان المراد جملة البدن فهو كقولهم : خسرت يده، وكسبت يده فأضيفت الأفعال إلى اليد، وذلك على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله وجميعه، أو عبر باليدين لأنّ الغالب أنّ الأعمال تزاول بهما. وقال يمان بن رباب : صفرت من كل خير حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه لما قتل عثمان سمع الناس هاتفاً يقول :
*لقد خلوك وانصرفوا ** فما آبوا ولا رجعوا*
*ولم يوافوا نذورهم ** فتباً للذي صنعوا*
وقيل : المراد باليدين دينه ودنياه، أو أولاه وعقباه، أو المراد بأحدهما جرّ المنفعة وبالأخرى دفع المضرّة، أو لأنّ اليمين سلاح واليسرى جنة. وأبو لهب هو ابن عبد المطلب عمّ النبيّ ﷺ واسمه عبد العزى. فإن قيل :: لماذا كني بذلك ولم يكن له ولد اسمه لهب، وأيضاً فالتكنية من باب التعظيم ؟
أجيب : عن الأوّل بأنّ الكنية قد تكون اسماً كما سمي أبو سفيان وأبو طالب ونحو ذلك، فإنّ هؤلاء أسماؤهم كناهم، أو لتلهب وجنتيه وكان مشرق الوجه أحمره ؟
وأجيب عن الثاني بوجوه : أحدها : أنه لما كان اسماً خرج عن إفادة التعظيم، ثانيها : أن اسمه، كان عبد العزى كما مرّ فعدل عنه إلى كنيته لقبح اسمه لأنّ الله تعالى لم يضف العبودية في كتابه إلى صنم. ثالثها : أنه لما كان من أهل النار ومآله إلى نار ذات لهب، وافقت حاله كنيته فكان جديراً بأن يذكر بها، كقولهم : أبو الخير وأبو الشر لصدورهما منه، أو لأنّ الكنية كانت أغلب من الاسم، أو لأنها أنقص منه، ولذلك ذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم دون كناهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧٠٨


الصفحة التالية
Icon