سورة المائدة
مدنية وآياتها مائة وعشرون
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٧٦
٢٧٦
﴿عَلِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ في الآية مسائل :
المسألة الأولى : يقال : وفى بالعهد وأوفى به، ومنه ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ﴾ (البقرة : ١٧٧) والعقد هو وصل الشيء بالشيء على سبيل الاستيثاق والأحكام، والعهد إلزام، والعقد التزام على سبيل الأحكام، ولما كان الإيمان عبارة عن معرفة الله تعالى بذاته وصفاته وأحكامه وأفعاله وكان من جملة أحكامه أنه يجب على جميع الخلق إظهار الانقياد لله تعالى في جميع تكاليفه وأوامره ونواهيه فكان هذا العقد أحد الأمور المعتبرة في تحقق ماهية الإيمان، فلهذا قال :﴿عَلِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ يعني يا أيها الذين التزمتم بإيمانكم أنواع العقود والعهود في إظهار طاعة الله أوفوا بتلك العقود، وإنما سمى الله تعالى هذه التكاليف عقوداً كما في هذه الآية لأنه تعالى ربطها بعباده كما يربط الشيء بالشيء بالحبل الموثق.
واعلم أنه تعالى تارة يسمي هذه التكاليف عقوداً كما في هذه الآية، وكما في قوله ﴿وَلَاكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الايْمَانَ ﴾ (المائدة : ٨٩) وتارة عهوداً، قال تعالى :﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ (البقرة : ٤٠) وقال :﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلا تَنقُضُوا الايْمَانَ﴾ (النحل : ٩١) وحاصل الكلام في هذه الآية أنه أمر بأداء التكاليف فعلاً وتركاً.
المسألة الثانية : قال الشافعي رحمه الله : إذا نذر صوم يوم العيد أو نذر ذبح الولد لغا، وقال أبو حنيفة رحمه الله : بل يصح. حجة أبي حنيفة أنه نذر الصوم والذبح فيلزمه الصوم والذبح، بيان الأول أنه نذر صوم يوم العيد، ونذر ذبح الولد، وصوم يوم العيد ماهية مركبة من الصوم ومن وقوعه في يوم العيد، وكذلك ذبح الولد ماهية مركبة من الذبح ومن وقوعه في الولد، والآتي بالمركب يكون آتياً بكل واحد من مفرديه، فملتزم صوم يوم العيد وذبح الولد يكون لا محالة ملتزماً للصوم والذبح.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٧٦
إذا ثبت هذا فنقول : وجب أن يجب عليه الصوم والذبح لقوله تعالى :﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ ولقوله تعالى :﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ (الصف : ٢) ولقوله ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ (الإنسان : ٧) ولقوله عليه الصلاة والسلام :"ف بنذرك" أقصء ما في الباب أنه لغا هذا النذر في خصوص كون الصوم واقعاً في يوم العيد، وفي خصوص كون الذبح واقعاً في الولد، إلاّ أن العام بعد التخصيص حجة. وحجة الشافعي رحمه الله : أن هذا نذر في المعصية فيكون لغواً لقوله عليه الصلاة والسلام :"لا نذر في معصية الله".
المسألة الثالثة : قال أبو حنيفة رحمه الله : خيار المجلس غير ثابت، وقال الشافعي رحمه الله : ثابت، حجة أبي حنيفة أنه لما انعقد البيع والشراء وجب أن يحرم الفسخ، لقوله تعالى :﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ وحجة الشافعي تخصيص هذا العموم بالخبر، وهو قوله عليه الصلاة والسلام :"المتبايعان بالخيار كل واحد منهما ما لم يتفرقا".
المسألة الرابعة : قال أبو حنيفة رحمه الله : الجمع بين الطلقات حرام، وقال الشافعي رحمه الله : ليس بحرام، حجة أبي حنيفة أن النكاح عقد من العقود لقوله تعالى :﴿وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ﴾ (البقرة : ٢٣٥) فوجب أن يحرم رفعه لقوله تعالى :﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ ترك العمل به في الطلقة الواحدة بالإجماع فيبقى فيما عداها على الأصل/ والشافعي رحمه الله خصص هذا العموم بالقياس، وهو أنه لو حرم الجمع لما نفذ وقد نفذ فلا يرحم.
قوله تعالى :﴿أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الانْعَامِ﴾.
اعلم أنه تعالى لما قرر بالآية الأولى على جميع المكلفين أنه يلزمهم الانقياد لجميع تكاليف الله تعالى، وذلك كالأصل الكلي والقاعدة الجميلة، شرع بعد ذلك في ذكر التكاليف المفصلة، فبدأ بذكر ما يحل وما يحرم من المطعومات فقال :﴿أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الانْعَامِ﴾ وفي الآية مسائل :