سورة يونس
مكية
عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن هذه السورة مكية إلا قوله :﴿وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِه وَمِنْهُم مَّن لا يُؤْمِنُ بِه ا وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ﴾ فإنها مدنية نزلت في اليهود.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٨٣
١٨٥
قوله جل جلاله ﴿الر﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ نافع وابن كثير وعاصم ﴿الر﴾ بفتح الراء على التفخيم، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويحيى عن أبي بكر : بكسر الراء على الإمالة. وروي عن نافع وابن عامر وحماد عن عاصم، بين الفتح والكسر، واعلم أن كلها لغات صحيحة. قال الواحدي : الأصل ترك الإمالة في هذه الكلمات نحو ما ولا، لأن ألفاتها ليست منقلبة عن الياء، وأما من أمال فلأن هذه الألفاظ أسماء للحروف المخصوصة، فقصد بذكر الإمالة التنبيه على أنها أسماء لا حروف.
المسألة الثانية : اتفقوا على أن قوله ﴿الر﴾ وحده ليس آية، واتفقوا على أن قوله ﴿طه﴾ وحده آية. والفرق أن قوله :﴿الر﴾ لا يشاكل مقاطع الآي التي بعده بخلاف قوله :﴿طه﴾ فإنه يشاكل مقاطع الآي التي بعده.
المسألة الثالثة : الكلام المستقصى في تفسير هذا النوع من الكلمات قد تقدم في أول سورة البقرة إلا أنا نذكر ههنا أيضاً بعض ما قيل. قال ابن عباس ﴿الر﴾ معناه أنا الله أرى. وقيل أنا الرب لا رب غيري. وقيل ﴿الر﴾ و﴿حم ﴾ و﴿ ﴾ اسم الرحمن.
قوله تعالى :﴿تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ فيه مسألتان :
المسألة الأولى : قوله :﴿تِلْكَ﴾ يحتمل أن يكون إشارة إلى ما في هذه السورة من الآيات، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما تقدم هذه السورة من آيات القرآن، وأيضاً فالكتاب الحكيم يحتمل أن يكون المراد منه هو القرآن، ويحتمل أن يكون المراد منه غير القرآن، وهو الكتاب المخزون المكنون عند الله تعالى الذي منه نسخ كل كتاب، كما قال تعالى :﴿إِنَّه لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ * فِى كِتَابٍ مَّكْنُونٍ﴾ (الواقعة : ٧٧، ٧٨) وقال تعالى :﴿بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ * فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظ ﴾ (البروج : ٢٢) وقال :﴿وَإِنَّه فِى أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ﴾ (الزخرف : ٤) وقال :﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُا وَعِندَه ا أُمُّ الْكِتَابِ﴾ (الرعد : ٣٩).
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٨٥
وإذا عرفت ما ذكرنا من الاحتمالات تحصل ههنا حينئذ وجوه أربعة من الاحتمالات :
الاحتمال الأول : أن يقال : المراد من لفظة ﴿تِلْكَ﴾ الإشارة إلى الآيات الموجودة في هذه السورة، فكان التقدير تلك الآيات هي آيات الكتاب الحكيم الذي هو القرآن، وذلك لأنه تعالى وعد رسوله عليه الصلاة والسلام أن ينزل عليه كتاباً لا يمحوه الماء، ولا يغيره كرور الدهر، فالتقدير أن تلك الآيات الحاصلة في سورة ﴿الر﴾ هي آيات ذلك الكتاب المحكم الذي لا يمحوه الماء.
الاحتمال الثاني : أن يقال : المراد أن تلك الآيات الموجودة في هذه السورة هي آيات الكتاب المخزون المكنون عند الله.
واعلم أن على هذين القولين تكون الإشارة بقولنا :﴿تِلْكَ﴾ إلى آيات هذه السورة وفيه إشكال، وهو أن ﴿تِلْكَ﴾ يشار بها إلى الغائب، وآيات هذه السورة حاضرة، فكيف يحسن أن يشار إليه بلفظ ﴿تِلْكَ﴾.
واعلم أن هذا السؤال قد سبق مع جوابه في تفسير قوله تعالى :﴿ الر * ذَالِكَ الْكِتَابُ﴾ (البقرة : ١/ ٢).
الاحتمال الثالث والرابع : أن يقال : لفظ ﴿تِلْكَ﴾ إشارة إلى ما تقدم هذه السورة من آيات القرآن، والمراد بها : هي آيات القرآن الحكيم، والمراد أنها هي آيات ذلك الكتاب المكنون المخزون عند الله تعالى، وفي الآية قولان آخران : أحدهما : أن يكون المراد من ﴿الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ التوراة والإنجيل، والتقدير : أن الآيات المذكورة في هذه السورة هي الآيات المذكورة في التوراة والإنجيل، والمعنى : أن القصص المذكورة في هذه السورة موافقة للقصص المذكورة في التوراة / والإنجيل/ مع أن محمداً عليه الصلاة والسلام ما كان عالماً بالتوراة والإنجيل، فحصل هذه الموافقة لا يمكن إلا إذا خص الله تعالى محمداً بإنزال الوحي عليه. والثاني : وهو قول أبي مسلم : أن قوله :﴿الر﴾ إشارة إلى حروف التهجي، فقوله :﴿الارا تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ﴾ يعني هذه الحروف هي الأشياء التي جعلت وعلامات لهذا الكتاب الذي آيات به وقع التحدي. فلولا امتياز هذا الكتاب عن كلام الناس بالوصف المعجز، وإلا لكان اختصاصه بهذا النظم، دون سائر الناس القادرين على التلفظ بهذه الحروف محالاً.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٨٥
المسألة الثانية : في وصف الكتاب بكونه حكيماً وجوه : الأول : أن الحكيم هو ذو الحكمة بمعنى اشتمال الكتاب على الحكمة. الثاني : أن يكون المراد وصف الكلام بصفة من تكلم به. قال الأعشى :
وغريبة تأتي الملوك حكيمة
قد قلتها ليقال من ذا قالها