سورة هود
مكية، إلا الآيات : ١٢ و١٧ و١١٤ فمدنية
وآياتها ١٢٣ نزلت بعد سورة يونس
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣١٢
٣١٤
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن قوله ﴿الر﴾ اسم للسورة وهو مبتدأ. وقوله ﴿كِتَابٌ﴾ خبره، وقوله :﴿الارا كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءَايَاتُه ﴾ صفة للكتاب. قال الزجاج : لا يجوز أن يقال :﴿الر﴾ مبتدأ، وقوله :﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءَايَاتُه ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ خبر، لأن ﴿الر﴾ ليس هو الموصوف بهذه الصفة وحده ؛ وهذا الاعتراض فاسد، لأنه ليس من شرط كون الشيء مبتدأ أن يكون خبره محصوراً فيه، ولا أدري كيف وقع للزجاج هذا السؤال، ثم إن الزجاج اختار قولاً آخر وهو أن يكون التقدير : الر هذا كتاب أحكمت آياته، وعندي أن هذا القول ضعيف لوجهين : الأول : أن على هذا التقدير يقع قوله :﴿الر﴾ كلاماً باطلاً لا فائدة فيه، والثاني : أنك إذا قلت هذا كتاب، فقوله :"هذا" يكون إشارة إلى أقرب المذكورات، وذلك هو قوله :﴿الر﴾ فيصير حينئذ ﴿الر﴾ مخبراً عنه بأنه كتاب أحكمت / آياته، فيلزمه على هذا القول ما لم يرض به في القول الأول، فثبت أن الصواب ما ذكرناه.
المسألة الثانية : في قوله :﴿الارا كِتَابٌ﴾ وجوه : الأول :﴿الارا كِتَابٌ﴾ نظمت نظماً رصيفاً محكماً لا يقع فيه نقص ولا خلل، كالبناء المحكم المرصف. الثاني : أن الإحكام عبارة عن منع الفساد من الشيء. فقوله :﴿الارا كِتَابٌ﴾ أي لم تنسخ بكتاب كما نسخت الكتب والشرائع بها.
واعلم أن على هذا الوجه لا يكون كل الكتاب محكماً، لأنه حصل فيه آيات منسوخة، إلا أنه لما كان الغالب كذلك صح إطلاق هذا الوصف عليه إجراء للحكم الثابت في الغالب مجرى الحكم الثابت في الكل. الثالث : قال صاحب "الكشاف" ﴿أُحْكِمَتْ﴾ يجوز أن يكون نقلاً بالهمزة من حكم بضم الكاف إذا صار حكيماً، أي جعلت حكيمة، كقوله :﴿الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * أَكَانَ﴾ (يونس : ١) الرابع : جعلت آياته محكمة في أمور : أحدها : أن معاني هذا الكتاب هي التوحيد، والعدل، والنبوة، والمعاد، وهذه المعاني لا تقبل النسخ، فهي في غاية الإحكام، وثانيها : أن الآيات الواردة فيه غير متناقضة، والتناقض ضد الإحكام فإذا خلت آياته عن التناقض فقد حصل الإحكام. وثالثها : أن ألفاظ هذه الآيات بلغت في الفصاحة والجزالة إلى حيث لا تقبل المعارضة، وهذا أيضاً مشعر بالقوة والإحكام. ورابعها : أن العلوم الدينية إما نظرية وإما عملية. أما النظرية فهي معرفة الإله تعالى ومعرفة الملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، وهذا الكتاب مشتمل على شرائف هذه العلوم ولطائفها، وأما العملية فهي إما أن تكون عبارة عن تهذيب الأعمال الظاهرة وهو الفقه، أو عن تهذيب الأحوال الباطنة وهي علم التصفية ورياضة النفس، ولا نجد كتاباً في العالم يساوي هذا الكتاب في هذه المطالب، فثبت أن هذا الكتاب مشتمل على أشرف المطالب الروحانية وأعلى المباحث الإلهية، فكان كتاباً محكماً غير قابل للنقض والهدم. وتمام الكلام في تفسير المحكم ذكرناه في تفسير قوله تعالى :﴿هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ﴾ (آل عمران : ٧).
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣١٤