سورة العنكبوت
مكية وقيل مدنية وقيل نزلت من أولها إلى رأس عشر بمكة
وباقيها بالمدينة أو نزل إلى آخر العشر بالمدينة
وباقيها بمكة وبالعكس، وهي سبعون أو تسع وستون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٢٦
٢٧
المسألة الأولى : في تعلق أول هذه السورة بما قبلها وفيه وجوه الأول : لما قال الله تعالى قبل هذه السورة :﴿إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ (القصص : ٨٥) وكان المراد منه أن يرده إلى مكة ظاهراً غالباً على الكفار ظافراً طالباً للثأر، وكان فيه احتمال مشاق القتال صعب على البعض ذلك فقال الله تعالى :﴿الام * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا﴾ ولا يؤمروا بالجهاد الوجه الثاني : هو أنه تعالى لما قال في أواخر السورة المتقدمة ﴿وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ ﴾ (القصص : ٨٧) وكان في الدعاء إليه الطعان والحراب والضراب، لأن النبي عليه السلام وأصحابه كانوا مأمورين بالجهاد إن لم يؤمن الكفار بمجرد الدعاء فشق على البعض ذلك فقال :﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا ﴾ الوجه الثالث : هو أنه تعالى لما قال في آخر السورة المتقدمة ﴿كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَه ﴾ (القصص : ٨٨) ذكر بعده ما يبطل قول المنكرين للحشر فقال :﴿لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ يعني ليس كل شيء هالكاً من غير رجوع بل كل هالك وله رجوع إلى الله. إذا تبين هذا، فاعليم أن منكري الحشر يقولون لا فائدة في التكاليف فإنها مشاق في الحال ولا فائدة لها في المآل إذ لا مآل ولا مرجع بعد الهلاك والزوال، فلا فائدة فيها. فلما بين الله أنهم إليه يرجعون بين أن الأمر ليس على ما حسبوه، بل حسن التكليف ليثيب / الشكور ويعذب الكفور فقال :﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا ﴾ غير مكلفين من غير عمل يرجعون به إلى ربهم.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٢٧
المسألة الثانية : في حكمة افتتاح هذه السورة بحروف من التهجي، ولنقدم عليه كلاماً كلياً في افتتاح السور بالحروف فنقول : الحكيم إذا خاطب من يكون محل الغفلة أو من يكون مشغول البال بشغل من الأشغال يقدم على الكلام المقصود شيئاً غيره ليلتفت المخاطب بسببه إليه ويقبل بقلبه عليه، ثم يشرع في المقصود. إذا ثبت هذا فنقول ذلك المقدم على المقصود قد يكون كلاماً له معنى مفعوم، كقول القائل اسمع، واجعل بالك إلى، وكن لي، وقد يكون شيئاً هو في معنى الكلام المفهوم كقول القائل أزيد ويازيد وألا يازيد، وقد يكون ذلك المقدم على المقصود صوتاً غير مفهوم كمن يصفر خلف إنسان ليلتفت إليه، وقد يكون ذلك الصوت بغير الفم كما يصفق الإنسان بيديه ليقبل السامع عليه. ثم إن موقع الغفلة كلما كان أتم والكلام المقصود كان أهم، كان المقدم على المقصود أكثر. ولهذا ينادي القريب بالهمزة فيقال أزيد والبعيد بيا فيقال يا زيد، والغافل ينبه أولاً فيقال ألا يا زيد. إذا ثبت هذا فنقول إن النبي صلى الله عليه وسلّم وإن كان يقظان الجنان لكنه إنسان يشغله شأن عن شأن فكان يحسن من الحكيم أن يقدم على الكلام المقصود حروفاً هي كالمنبهات، ثم إن تلك الحروف إذا لم تكن بحيث يفهم معناها تكون أتم في إفادة المقصود الذي هو التنبيه من تقديم الحروف التي لها معنى، لأن تقديم الحروف إذا كان لإقبال السامع على المتكلم لسماع ما بعد ذلك فإذا كان ذلك المقدم كلاماً منظوماً وقولا مفهوماً فإذا سمعه السامع ربما يظن أنه كل المقصود ولا كلام له بعد ذلك فيقطع الإلتفات عنه. أما إذا سمع منه صوتاً بلا معنى يقبل عليه ولا يقطع نظره عنه ما لم يسمع غيره لجزمه بأن ما سمعه ليس هو المقصود، فاذن تقديم الحروف التي لا معنى لها في الوضع على الكلام المقصود فيه حكمة بالغة، فإن قال قائل فما الحكمة في اختصاص بعض السور بهذه الحروف ؟
فنقول عقل البشر عن إدراك الأشياء الجزئية على تفاصيلها عاجز والله أعلم بجميع الأشياء، لكن نذكر ما يوفقنا الله له فنقول كل سورة في أوائلها حروف التهجي فإن في أوائلها ذكر الكتاب أو التنزيل أو القرآن كقوله تعالى :﴿ الر * ذَالِكَ الْكِتَابُ﴾ (البقرة : ١، ٢) ﴿ الر * اللَّهُ لا إِلَاهَ إِلا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ (آل عمران : ١ ـ ٣)، ﴿ المص * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ (
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٢٧


الصفحة التالية
Icon