سورة الزمر
سبعون وخمس آيات مكية
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٤٢٧
٤٢٩
اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى : ذكر الفراء والزجاج : في رفع ﴿تَنزِيلُ﴾ وجهين أحدهما : أن يكون قوله :﴿تَنزِيلُ﴾ مبتدأ وقوله :﴿مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ خبر الثاني : أن يكون التقدير هذا تنزيل الكتاب، فيضمر المبتدأ كقوله : سورة أنزلناها} (النور : ١) أي هذه سورة، قال بعضهم : الوجه الأول لوجوه الأول : أن الإضمار خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلا لضرورة، ولا ضرورة ههنا الثاني : أنا إذا قلنا :(النور : ١) أي هذه سورة، قال بعضهم : الوجه الأول لوجوه الأول : أن الإضمار خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلا لضرورة، ولا ضرورة ههنا الثاني : أنا إذا قلنا :﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ﴾ جملة تامة من المبتدأ والخبر أفاد قائدة شريفة، وهي أن تنزيل/ الكتاب يكون من الله، لا من غيره وهذا الحصر معنى معتبر، أما إذا أضمرنا المبتدأ لم تحصل هذه الفائدة الثالث : أنا إذا أضمرنا المبتدأ صار التقدير هذا تنزيل الكتاب من الله، وحينئذ يلزمنا مجاز آخر، لأن هذا إشارة إلى السورة، والسورة ليست نفس التنزيل، بل السورة منزلة، فحينئذ يحتاج إلى أن نقول المراد من المصدر المفعول وهو مجاز تحملناه لا لضرورة.
المسألة الثانية : القائلون بخلق القرآن احتجوا بأن قالوا : إنه تعالى وصف القرآن بكونه تنزيلاً ومنزلاً، وهذا الوصف لا يليق إلا بالمحدث المخلوق والجواب : أنا نحمل هذه اللفظة على الصيغ والحروف.
المسألة الثالثة : الآيات الكثير تدل على وصف القرآن بكونه تنزيلاً وآيات أخر تدل على كونه منزلاً.
أما الأول : فقوله تعالى : وإنه لتنزيل رب العالمين} (الشعراء : ١٩٢)، وقال :(الشعراء : ١٩٢)، وقال :﴿تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فصلت : ٤٢) وقال :﴿حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ (فصلت : ١/ ٢).
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٤٢٩
وأما الثاني : فقوله :﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾ (الحجر : ٩) وقال :﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ﴾ (الإسراء : ١٠٥) وأنت تعلم أن كونه منزلاً أقرب إلى الحقيقة من كونه تنزيلاً، فكونه منزلاً مجاز أيضاً لأنه إن كان المراد من القرآن الصفة القائمة بذات الله فهو لا يقبل الإنفصال والنزول، وإن كان المراد منه الحروف والأصوات فهي أعراض لا تقبل الانتقال والنزول، بل المراد من النزول نزول الملك الذي بلغها إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم.
المسألة الرابعة : قالت المعتزلة العزيز هو القادر الذي لا يغلب فهذا اللفظ يدل على كونه تعالى قادراً على ما لا نهاية له والحكيم هو الذي يفعل لداعية الحكمة لا لداعية الشهوة، وهذا إنما يتم إذا ثبت أنه تعالى عالم بجميع المعلومات، وأنه غني عن جميع الحاجات إذا ثبت هذا فنقول كونه تعالى : عزيزاً حكيماً يدل على هذه الصفات الثلاثة، العلم بجميع المعلومات، والقدرة على كل الممكنات، والإستغناء عن كل الحاجات/ فمن كان كذلك امتنع أن يفعل القبيح وأن يحكم بالقبيح، وإذا كان كذلك فكل ما يفعله يكون حكمة وصواباً. إذا ثبت هذا فنقول الإنتفاع بالقرآن يتوقف على أصلين أحدهما : أن يعلم أن القرآن كلام الله، والدليل عليه أنه ثبت بالمعجز كون الرسول صادقاً، وثبت بالتواتر أنه كان يقول القرآن كلام الله فيحصل من مجموع هاتين المقدمتين أن القرآن كلام الله والأصل الثاني : أن الله أراد بهذه الألفاظ المعاني التي هي موضوعة لها، أم بحسب اللغة أو بحسب القرينة العرفية أو الشرعية لأنه لو لم يرد بها ذلك لكان تلبيساً، وذلك لا يليق بالحكيم فثبت بما ذكرنا أن الانتفاع بالقرآن لا يحصل إلا بعد تسليم هذين الأصلين، وثبت أنه لا سبيل إلى إثبات هذين الأصلين إلا بإثبات كونه تعالى حكيماً، وثبت أن لا سبيل/ إلى إثبات كونه حكيماً إلا بالبناء على كونه تعالى عزيزاً، فلهذا السبب قال : تنزيل الكتاب من الله العزيم الحكيم}.
أما قوله تعالى :.
أما قوله تعالى :﴿إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ ففيه سؤالان :
السؤال الأول : لفظ التنزيل يشعر بأنه تعالى أنزله عليه نجماً على سبيل التدريج ولفظ الإنزال يشعر بأنه تعالى أنزله عليه دفعة واحدة فكيف الجمع بينهما والجواب : إن صح الفرق بين التنزيل وبين الإنزال من الوجه الذي ذكرتم فطريق الجمع أن يقال المعنى إنا حكمنا حكماً كلياً جزماً بأن يوصل إليك هذا الكتاب، وهذا هو الإنزال، ثم أوصلناه نجماً إليك على وفق المصالح وهذا هو التنزيل.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٤٢٩


الصفحة التالية
Icon