سورة ق
أربعون وخمس آيات مكية
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١١٩
﴿قا وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ﴾ وقبل التفسير نقول ما يتعلق بالسورة وهي أمور :
الأول : أن هذه السورة تقرأ في صلاة العيد، لقوله تعالى فيها ﴿ذَالِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾ (ق : ٤٢) وقوله تعالى :﴿كَذَالِكَ الْخُرُوجُ﴾ (ق : ١١) وقوله تعالى :﴿ذَالِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ (ق : ٤٤) فإن العيد يوم الزينة، فينبغي أن لا ينسى الإنسان خروجه إلى عرصات الحساب، ولا يكون في ذلك اليوم فرحاً فخوراً، ولا يرتكب فسقاً ولا فجوراً، ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلّم بالتذكير بقوله في آخر السورة ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ (ق : ٤٥) ذكرهم بما يناسب حالهم في يومهم بقوله ﴿قا وَالْقُرْءَانِ﴾.
الثاني : هذه السورة، وسورة ﴿ ﴾ تشتركان في افتتاح أولهما بالحروف المعجم والقسم بالقرآن وقوله ﴿بَلْ﴾ والتعجب، ويشتركان في شيء آخر، وهو أن أول السورتين وآخرهما متناسبان، وذلك لأن في ﴿ ﴾ قال في أولها ﴿ا وَالْقُرْءَانِ ذِى﴾ (ص : ١) وقال في آخرها ﴿إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾ (ص : ٨٧) وفي ﴿قا ﴾ قال في أولها ﴿قا وَالْقُرْءَانِ﴾ وقال في آخرها ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ (ق : ٤٥) فافتتح بما اختتم به.
والثالث : وهو أن في تلك السورة صرف العناية إلى تقرير الأصل الأول وهو التوحيد، بقوله تعالى :﴿أَجَعَلَ الالِهَةَ إِلَاهًا وَاحِدًا ﴾ (ص : ٥) وقوله تعالى :﴿وَانطَلَقَ الْمَلا مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا ﴾ (ص : ٦) وفي هذه السورة إلى تقرير الأصل الآخر وهو الحشر، بقوله تعالى :﴿أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَالِكَ رَجْعُا بَعِيدٌ﴾ (ق : ٣) ولما كان افتتاح السورة في ﴿ ﴾ في تقرير المبدأ، قال في آخرها ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ للملائكة إِنِّى خَالِقُا بَشَرًا مِّن طِينٍ﴾ (ص : ٧١) وختمه بحكاية بدء (خلق) آدم، لأنه دليل الوحدانية. ولما كان افتتاح هذه لبيان الحشر، قال في آخرها ﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ الارْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَالِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ (ق : ٤٤) وأما التفسير، ففيه مسائل :
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١١٩
المسألة الأولى : قيل ﴿قا ﴾ اسم جبل محيط بالعالم، وقيل معناه حكمة، هي قولنا : قضى /الأمر. وفي ص : صدق الله، وقد ذكرنا أن الحروف تنبيهات قدمت على القرآن، ليبقى السامع مقبلاً على استماع ما يرد عليه، فلا يفوته شيء من الكلام الرائق والمعنى الفائق.
وذكرنا أيضاً أن العبادة منها قلبية، ومنها لسانية، ومنها جارجية ظاهرة، ووجد في الجارحية ما عقل معناه، ووجد منها ما لم يعقل معناه، كأعمال الحج من الرمي والسعي وغيرهما، ووجد في القلبية ما عقل بدليل، كعلم التوحيد، وإمكان الحشر، وصفات الله تعالى، وصدق الرسل، ووجد فيها ما يبعدها عن كونها معقولة المعنى أمور لا يمكن التصديق، والجزم بما لولا السمع كالصراط الممدود الأحد من السيف الأرق من الشعر، والميزان الذي يوزن به الأعمال، فكذلك كان ينبغي أن تكون الأذكار التي هي العبادة اللسانية منها ما يعقل معناه كجميع القرآن إلا قليلاً منه، ومنها ما لا يعقل ولا يفهم كحرف التهجي لكون التلفظ به محض الانقياد للأمر، لا لما يكون في الكلام من طيب الحكاية والقصد إلى غرض، كقولنا ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِى أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ بل يكون النطق به تعبداً محضاً، ويؤيد هذا وجه آخر، وهو أن هذه الحروف مقسم بها، وذلك لأن الله تعالى لما أقسم بالتين والزيتون كان تشريفاً لهما، فإذا أقسم بالحروف التي هي أصل الكلام الشريف الذي هو دليل المعرفة/ وآلة التعريف كان أولى، وإذا عرفت هذا فنقول على هذا فيه مباحث :


الصفحة التالية
Icon