سورة الواقعة
وهي ست وتسعون آية مكية
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٨٦
٣٨٩
أما تعلق هذه السورة بما قبلها، فذلك من وجوه أحدها : أن تلك السورة مشتملة على تعديد النعم على الإنسان ومطالبته بالشكر ومنعه عن التكذيب كما مر، وهذه السورة مشتملة على ذكر الجزاء بالخير لمن شكر وبالشر لمن كذب وكفر ثانيها : أن تلك السورة متضمنة للتنبيهات بذكر الآلاء في حق العباد، وهذه السورة كذلك لذكر الجزاء في حقهم يوم التناد ثالثها : أن تلك السورة سورة إظهار الرحمة وهذه السورة سورة إظهار الهيبة على عكس تلك السورة مع ما قبلها، وأما تعلق الأول بالآخر ففي آخر تلك السورة إشارة إلى الصفات من باب النفي والإثبات، وفي أول هذه السورة إلى القيامة وإلى ما فيها من المثوبات والعقوبات، وكل واحد منهما يدل على علو اسمه وعظمة شأنه، وكمال قدرته وعز سلطانه. ثم في الآية مسائل :
المسألة الأولى : ففي تفسيرها جملة وجوه أحدها : المراد إذا وقعت القيامة الواقعة أو الزلزلة الواقعة يعترف بها كل أحد، ولا يتمكن أحد من إنكارها، ويبطل عناد المعاندين فتخفض الكافرين في دركات النار، وترفع المؤمنين في درجات الجنة، هؤلاء في الجحيم وهؤلاء في النعيم الثاني :﴿وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ تزلزل الناس، فتخفض المرتفع، وترفع المنخفض، وعلى هذا فهي كقوله تعالى :﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ (الحجر : ٧٤) في الإشارة إلى شدة الواقعة، لأن العذاب الذي جعل العالي سافلاً بالهدم، والسافل عالياً حتى صارت الأرض المنخفضة كالجبال الراسية، والجبال الراسية كالأرض المنخفضة أشد وأبلغ، فصارت البروج العالية مع الأرض متساوية، والواقعة التي تقع ترفع المنخفضة فتجعل من الأرض أجزاء عالية ومن السماء أجزاء سافلة، ويدل عليه قوله تعالى :﴿إِذَا رُجَّتِ الارْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا﴾ (الواقعة : ٤، ٥) فإنه إشارة إلى أن الأرض تتحرك بحركة مزعجة، والجبال تتفتت، فتصير الأرض المنخفضة كالجبال الراسية، والجبال الشامخة كالأرض السافلة، كما يفعل هبوب الريح في الأرض المرملة الثالث :﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ يظهر وقوعها / لكل أحد، وكيفية وقوعها، فلا يوجد لها كاذبة ولا متأول يظهر فقوله :﴿خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ﴾ معطوف على ﴿كَاذِبَةٌ﴾ نسقاً، فيكون كما يقول القائل : ليس لي في الأمر شك ولا خطأ، أي لا قدرة لأحد على رفع المنخفض ولا خفض المرتفع.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٨٩
المسألة الثانية :﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ يحتمل أن تكون الواقعة صفة لمحذوف وهي القيامة أو الزلزلة على ما بينا، ويحتمل أن يكون المحذوف شيئاً غير معين، وتكون تاء التأنيث مشيرة إلى شدة الأمر الواقع وهوله، كما يقال : كانت الكائنة والمراد كان الأمر كائناً ما كان، وقولنا : الأمر كائن لا يفيد إلا حدوث أمر ولو كان يسيراً بالنسبة إلى قوله : كانت الكائنة، إذ في الكائنة وصف زائد على نفس كونه شيئاً، ولنبين هذا ببيان كون الهاء للمبالغة في قولهم : فلان راوية ونسابة، وهو أنهم إذا أرادوا أن يأتوا بالمبالغة في كونه راوياً كان لهم أن يأتوا بوصف بعد الخبر ويقولون : فلان راو جيد أو حسن أو فاضل، فعدلوا عن التطويل إلى الإيجاز مع زيادة فائدة، فقالوا : نأتي بحرف نيابة عن كلمة كما أتينا بهاء التأنيث حيث قلنا : ظالمة بدل قول القائل : ظالم أنثى، ولهذا لزمهم بيان الأنثى عند مالا يمكن بيانها بالهاء في قولهم شاة أنثى وكالكتابة في الجمع حيث قلنا : قالوا بدلاً عن قول القائل : قال وقال وقال، وقالا بدلاً عن قوله : قال وقال فكذلك في المبالغة أرادوا أن يأتوا بحرف يغني عن كلمة والحرف الدال على الزيادة ينبغي أن يكون في الآخر/ لأن الزيادة بعد أصل الشيء، فوضعوا الهاء عند عدم كونها للتأنيث والتوحيد في اللفظ المفرد لا في الجمع للمبالغة إذا ثبت هذا فنقول : في كانت الكائنة ووقعت الواقعة حصل هذا معنى لا لفظاً، أما معنى فلأنهم قصدوا بقولهم : كانت الكائنة أن الكائن زائد على أصل ما يكون، وأما لفظاً فلأن الهاء لو كانت للمبالغة لما جاز إثبات ضمير المؤنث في الفعل، بل كان ينبغي أن يقولوا : كان الكائنة ووقع الواقعة، ولا يمكن ذلك لأنا نقول : المراد به المبالغة.
المسألة الثالثة : العامل في ﴿إِذَا﴾ ماذا ؟
نقول : فيه ثلاث أوجه أحدها : فعل متقدم يجعل إذا مفعولاً به لا ظرفاً وهو اذكر، كأنه قال : اذكر القيامة ثانيها : العامل فيها ليس لوقعتها كاذبة كما تقول : يوم الجمعة ليس لي شغل ثالثها : يخفض قوم ويرفع قوم، وقد دل عليه ﴿خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ﴾، وقيل : العامل فيها قوله :﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ (الواقعة : ٨) أي في يوم وقوع الواقعة.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٨٩


الصفحة التالية
Icon