سورة الصف
أربع عشرة آية مكية
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٥٢٧
٥٢٨
وجه التعلق بما قبلها هو أن في تلك السورة بيان الخروج جهاداً في سبيل الله وابتغاء مرضاته بقوله :﴿إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِى سَبِيلِى وَابْتِغَآءَ مَرْضَاتِى ﴾ (الممتحنة : ١) وفي هذه السورة بيان ما يحمل أهل الإيمان ويحثهم على الجهاد بقوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِه صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ (الصف : ٤) وأما الأول بالآخر، فكأنه قال : إن كان الكفرة بجهلهم يصفون لحضرتنا المقدسة بما لا يليق بالحضرة، فقد كانت الملائكة وغيرهم من الإنس والجن يسبحون لحضرتنا، كما قال :﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ ﴾ أي شهد له بالربوبية والوحدانية وغيرهما من الصفات الحميدة جميع ما في السموات والأرض و﴿الْعَزِيزُ﴾ من عز إذا غلب، وهو الذي يغلب على غيره أي شيء كان ذلك الغير، ولا يمكن أن يغلب عليه غيره و﴿الْحَكِيمُ﴾ من حكم على الشيء إذا قضى عليه، وهو الذي يحكم على غيره، أي شيء كان ذلك الغير، ولا يمكن أن يحكم عليه غيره، فقوله :﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ ﴾ يدل على الربوبية والوحدانية إذن، ثم إنه تعالى قال في البعض من السور :﴿سَبَّحَ لِلَّهِ﴾ (الحديد : ١، الحشر : ١)، وفي البعض :﴿يُسَبِّحُ﴾ (الجمعة : ١، التغاب : ١)، وفي البعض :﴿سَبَّحَ﴾ (الأعلى : ١) بصيغة الأمر، ليعلم أن تسبيح حضرة الله تعالى دائم غير منقطع لما أن الماضي يدل عليه في الماضي من الزمان، والمستقبل يدل عليه في المستقبل من الزمان، والأمر يدل عليه في الحال، وقوله تعالى :﴿اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ منهم من قال : هذه الآية في حق جماعة من المؤمنين، وهم الذين أحبوا أن يعملوا بأحب الأعمال إلى الله، فأنزل الله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ﴾ (الصف : ١٠) الآية و﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ﴾ (الصف : ٤) فأحبوا الحياة وتولوا يوم أحد فأنزل الله تعالى :﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ وقيل في حق من يقول : قاتلت ولم يقاتل، وطعنت ولم يطعن، وفعلت ولم يفعل، وقيل :/ إنها في حق أهل النفاق في القتال، لأنهم تمنوا القتال، فلما أمر الله تعالى به قالوا :﴿لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ﴾ (النساء : ٧٧) وقيل : إنها في حق كل مؤمن، لأنهم قد اعتقدوا الوفاء بما وعدهم الله به من الطاعة والاستسلام والخضوع والخشوع فإذا لم يوجد الوفاء بما وعدهم خيف عليهم في كل زلة أن يدخلوا في هذه الآية ثم في هذه الجملة مباحث :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٥٢٨
الأول : قال تعالى :﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ ﴾ (الحديد : ١، الحشر : ١) في أول هذه السورة، ثم قاله تعالى في أول سورة أخرى، وهذا هو التكرار، والتكرار عيب، فكيف هو ؟
فنقول : يمكن أن يقال : كرره ليعلم أنه في نفس الأمر غير مكرر لأن ما وجد منه التسبيح عند وجود العالم بإيجاد الله تعالى فهو غير ما وجد منه التسبيح بعد وجود العالم، وكذا عند وجود آدم وبعد وجوده.
الثاني : قال :﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ ﴾ ولم يقل : سبح لله السموات والأرض وما فيهما، مع أن في هذا من المبالغة ما ليس في ذلك ؟
فنقول : إنما يكون كذلك إذا كان المراد من التسبيح، التسبيح بلسان الحال مطلقاً، أما إذا كان المراد هو التسبيح المخصوص فالبعض يوصف كذا، فلا يكون كما ذكرتم.
الثالث : قال صاحب الكشاف :﴿لِمَ﴾ هي لام الإضافة داخلة على ما الاستفهامية كما دخل عليها غيرها من حروف الجر في قولك : بم وفيم وعم ومم، وإنما حذفت الألف لأن (ما) والحرف كشيء واحد، وقد وقع استعمالها في كلام المستفهم، ولو كان كذلك لكان معنى الاستفهام واقعاً في قوله تعالى :﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ والاستفهام من الله تعالى محال وهو عالم بجميع الأشياء، فنقول : هذا إذا كان المراد من الاستفهام طلب الفهم، أما إذا كان المراد إلزام من أعرض عن الوفاء ما وعد أو أنكر الحق وأصر على الباطل فلا.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٥٢٨
٥٢٨
والمقت هو البغض، ومن استوجب مقت الله لزمه العذاب، قال صاحب الكشاف : المقت أشد البغض وأبلغه وأفحشه، وقال الزجاج :﴿ءَانٍ﴾ في موضع رفع و: ﴿مَقْتًا﴾ منصوب على التمييز، والمعنى : كبر قولكم ما لا تفعلون مقتاً عند الله، وهذا كقوله تعالى :﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً﴾ (الكهف : ٥).
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٥٢٨
٥٢٩


الصفحة التالية
Icon