سورة الحاقة
خمسون وآيتان مكية
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢١
٦٢١
المسألة الأولى : أجمعوا على أن الحاقة هي القيامة واختلفوا في معنى الحاقة على وجوه : أحدها : أن الحق هو الثابت الكائن، فالحاقة الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجيء التي هي آتية لا ريب فيها وثانيها : أنها التي تحق فيها الأمور أي تعرف على الحقيقة من قولك لا أحق هذا أي لا أعرف حقيقته جعل الفعل لها وهو لأهلها وثالثها : أنها ذوات الحواق من الأمور وهي الصادقة الواجبة الصدق، والثواب والعقاب وغيرهما من أحوال القيامة أمور واجبة الوقوع والوجود فهي كلها حواق ورابعها : أن ﴿الْحَآقَّةُ﴾ بمعنى الحقة والحقة أخص من الحق وأوجب تقول : هذه حقتي أي حقي، وعلى هذا ﴿الْحَآقَّةُ﴾ بمعنى الحق، وهذا الوجه قريب من الوجه الأول وخامسها : قال الليث :﴿الْحَآقَّةُ﴾ النازلة التي حقت بالجارية فلا كاذبة لها وهذا معنى قوله تعالى :﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ﴾، (الواقعة : ٢) وسادسها :﴿الْحَآقَّةُ﴾ الساعة التي يحق فيها الجزاء على كل ضلال وهدى وهي القيامة وسابعها :﴿الْحَآقَّةُ﴾ هو الوقت الذي يحق على القوم أن يقع بهم وثامنها : أنها الحق بأن يكون فيها جميع آثار أعمال المكلفين فإن في ذلك اليوم يحصل الثواب والعقاب ويخرج عن حد الانتظار وهو قول الزجاج وتاسعها : قال الأزهري : والذي عندي في ﴿الْحَآقَّةُ﴾ أنها سميت بذلك لأنها تحق كل محاق في دين الله بالباطل أي تخاصم كل مخاصم وتغلبه من قولك : حاققته فحققته أي غالبته فغلبته وفلجت عليه وعاشرها : قال أبو مسلم :﴿الْحَآقَّةُ﴾ الفاعلة من حقت كلمة ربك.
المسألة الثانية : الحاقة مرفوعة بالابتداء وخبرها ﴿مَا الْحَآقَّةُ﴾ والأصل ﴿الْحَآقَّةُ﴾ ما هي أي أي شيء هي ؟
تفخيماً لشأنها، وتعظيماً لهولها فوضع الظاهر موضع المضمر لأنه أهول لها ومثله قوله :﴿الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ﴾ (القارعة : ١ ـ ٢) وقوله :﴿وَمَآ أَدْرَا كَ﴾ أي وأي شيء أعلمك ﴿مَا الْحَآقَّةُ﴾ يعني إنك لا علم لك بكنهها ومدى عظمها، يعني أنه في العظم والشدة بحيث لا يبلغه دراية أحد ولا وهمه وكيفما قدرت حالها فهي أعظم من ذلك ﴿وَمَآ﴾ في موضع الرفع على الابتداء و﴿أَدْرَا كَ﴾ معلق عنه لتضمنه معنى الاستفهام.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢١
٦٢٢
قوله تعالى :﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادُا بِالْقَارِعَةِ﴾ ﴿الْقَارِعَةُ﴾ هي التي تقرع الناس بالأفزاع والأهوال، والسماء بالانشقاق والانفطار، والأرض والجبال بالدك والنسف، والنجوم بالطمس والانكدار، وإنما قال :﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادُا بِالْقَارِعَةِ﴾ ولم يقل : بها، ليدل على أن معنى القرع حاصل في الحاقة، فيكون ذلك زيادة على وصف شدتها. ولما ذكرها وفخمها أتبع ذلك بذكر من كذب بها، وما حل بهم بسبب التكذيب تذكيراً لأهل مكة، وتخويفاً لهم من عاقبة تكذيبهم.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٢
٦٢٢
اعلم أن في الطاغية أقوالاً : الأول : أن الطاغية هي الواقعة المجاوزة للحد في الشدة والقوة، قال تعالى :﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَآءُ﴾ (الحاقة : ١) أي جاوز الحد، وقال :﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ (النجم : ١٧) فعلى هذا القول : الطاغية نعت محذوف، واختلفوا في ذلك المحذوف، فقال بعضهم : إنها الصيحة المجاوزة في القوة والشدة للصيحات، قال تعالى :﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ﴾ (القمر : ٣١) وقال بعضهم : إنها الرجفة، وقال آخرون : إنها الصاعقة والقول الثاني : أن الطاغية ههنا الطغيان، فهي مصدر كالكاذبة والباقية والعاقبة والعافية، أي أهلكوا بطغيانهم على الله إذ كذبوا رسله وكفروا به، وهو منقول عن ابن عباس، والمتأخرون طعنوا فيه من وجهين الأول : وهو الذي قاله الزجاج : أنه لما ذكر في الجملة الثانية نوع الشيء الذي وقع به العذاب، وهو قوله تعالى :﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ﴾ (الحاقة : ٦) وجب أن يكون الحال في الجملة الأولى كذلك حتى تكون المناسبة حاصلة والثاني : وهو الذي قاله القاضي : وهو أنه لو كان المراد ما قالوه، لكان من حق الكلام أن يقال : أهلكوا لها ولأجلها والقول الثالث :﴿بِالطَّاغِيَةِ﴾ أي بالفرقة التي طغت من جملة ثمود، فتآمروا بعقر الناقة فعقروها، أي أهلكوا بشؤم فرقتهم الطاغية، ويجوز أن يكون المراد بالطاغية ذلك الرجل الواحد الذي أقدم على عقر الناقة وأهلك الجميع، لأنهم رضوا بفعله وقيل له طاغية، كما يقول : فلان راوية الشعر، وداهية وعلامة ونسابة.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٢
٦٢٣


الصفحة التالية
Icon