سورة المزمل عليه السلام
وهي عشرون آية مكية
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٨٣
٦٨٤
فيه مسألتان :
المسألة الأولى : أجمعوا على أن المراد بالمزمل النبي عليه السلام، وأصله المتزمل بالتاء وهو الذي تزمل بثيابه أي تلفف بها، فأدغم التاء في الزاي، ونحوه المدثر في المتدثر، واختلفوا لم تزمل بثوبه ؟
على وجوه أحدها : قال ابن عباس : أول ما جاءه جبريل عليه السلام خافه وظن أن به مساً من الجن، فرجع من الجبل مرتعداً وقال : زملوني، فبينا هو كذلك إذ جاء جبريل وناداه وقال : يا أيها المزمل وثانيها : قال الكلبي : إنما تزمل النبي عليه السلام بثيابه للتهيء للصلاة وهو اختيار الفراء وثالثها : أنه عليه السلام كان نائماً بالليل متزملاً في قطيفة فنودي بما يهجن تلك الحالة، وقيل : يا أيها النائم المتزمل بثوبه قم واشتغل بالعبودية ورابعها : أنه كان متزملاً في مرط لخديجة مستأنساً بها فقيل له :﴿عَدَدَا * يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ الَّيْلَ﴾ كأنه قيل : اترك نصيب النفس واشتغل بالعبودية وخامسها : قال عكرمة : يا أيها الذي زمل أمراً عظيماً أي حمله والزمل الحمل، وازدمله احتمله.
المسألة الثانية : قرأ عكرمة ﴿الْمُزَّمِّلُ﴾ و﴿الْمُدَّثِّرُ﴾ (المدثر : ١) بتخفيف الزاي والدال وتشديد الميم والثاء على أنه اسم فاعل أو مفعول، فإن كان على اسم الفاعل كان المفعول محذوفاً والتقدير يا أيها المزمل نفسه والمدثر نفسه وحذف المفعول في مثل هذا المقام فصيح قال تعالى :﴿وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَىْءٍ﴾ أي أوتيت من كل شيء شيئاً، وإن كان على أنه اسم المفعول كان ذلك لأنه زمل نفسه أو زمله غيره، وقرىء (يا أيها المتزمل) على الأصل.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٨٤
٦٨٦
وقوله تعالى :﴿قُمِ الَّيْلَ﴾ فيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال ابن عباس : إن قيام الليل كان فريضة على رسول الله لقوله :﴿قُمِ الَّيْلَ﴾ وظاهر الأمر للوجوب ثم نسخ، واختلفوا في سبب النسخ على وجوه أولها : أنه كان فرضاً قبل أن تفرض الصلوات الخمس ثم نسخ بها وثانيها : أنه تعالى لما قال :﴿قُمِ الَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِّصْفَه ا أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْا عَلَيْهِ﴾ فكان الرجل لا يدري كم صلى وكم بقي من الليل فكان يقوم الليل كله مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب وشق عليهم ذلك حتى ورمت أقدامهم وسوقهم، فنسخ الله تعالى ذلك بقوله في آخر هذه السورة :﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْه ﴾ (المزمل : ٢٠) وذلك في صدر الإسلام، ثم قال ابن عباس : وكان بين أول هذا الإيجاب وبين نسخه سنة، وقال في رواية أخرى : إن إيجاب هذا كان بمكة ونسخه كان بالمدينة، ثم نسخ هذا القدر أيضاً بالصلوات الخمس، والفرق بين هذا القول وبين القول الأول أن في هذا القول نسخ وجوب التهجد بقوله :﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ ﴾ (المزمل : ٢٠) ثم نسخ هذا بإيجاب الصلوات، وفي القول الأول نسخ إيجاب التهجد بإيجاب الصلوات الخمس ابتداء، وقال بعض العلماء : التهجد ما كان واجباً قط، والدليل عليه وجوه أولها : قوله :﴿وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِه نَافِلَةً لَّكَ﴾ (الإسراء : ٧٩) فبين أن التهجد نافلة له لا فرض، وأجاب ابن عباس عنه بأن المعنى زيادة وجوب عليك وثانيها : أن التهجد لو كان واجباً على الرسول لوجب على أمته لقوله :﴿وَاتَّبِعُوهُ﴾ (الأعراف : ١٥٨) وورود النسخ على خلاف الأصل وثالثها : استدل بعضهم على عدم الوجوب بأنه تعالى قال :﴿نِّصْفَه ا أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْا عَلَيْهِ﴾ ففوض ذلك إلى رأي المكلف وما كان كذلك لا يكون واجباً وهذا ضعيف لأنه لا يبعد في العقل أن يقول : أوجبت عليك قيام الليل فأما تقديره بالقلة والكثرة فذاك مفوض إلى رأيك، ثم إن القائلين بعدم الوجوب أجابوا عن التمسك بقوله :﴿قُمِ الَّيْلَ﴾ وقالوا ظاهر الأمر يفيد الندب، لأنا رأينا أوامر الله تعالى تارة تفيد الندب وتارة تفيد الإيجاب، فلا بد من جعلها مفيدة للقدر المشترك بين الصورتين دفعاً للاشتراك والمجاز، وما ذاك إلا ترجيح جانب الفعل على جانب الترك، وأما جواز الترك فإنه ثابت بمقتضى الأصل، فلما حصل الرجحان بمقتضى الأمر وحصل جواز الترك بمقتضى الأصل كان ذلك هو المندوب والله أعلم.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٨٦
المسألة الثانية : قرأ أبو السمال ﴿قُمِ الَّيْلَ﴾ بفتح الميم وغيره بضم الميم، قال أبو الفتح بن جني : الغرض من هذه الحركة الهرب من التقاء الساكنين، فأي الحركات تحرك فقد حصل الغرض وحكى قطرب عنهم : قم الليل، وقل الحق برفع الميم واللام وبع الثوب ثم قال : من كسر فعلى أصل الباب ومن ضم أتبع ومن فتح فقد مال إلى خفة الفتح.
قوله تعالى :﴿قُمِ الَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِّصْفَه ا أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْا عَلَيْهِ﴾.