سورة النازعات
وهي أربعون وست آيات مكية
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٣٧
٣٧
فيه مسألتان :
المسألة الأولى : اعلم أن هذه الكلمات الخمس، يحتمل أن تكون صفات لشيء واحد، ويحتمل أن لا تكون كذلك، أما على الاحتمال الأول فقد ذكروا في الآية وجوهاً أحدها : أنها بأسرها صفات الملائكة، فقوله :﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾ هي الملائكة الذين ينزعون نفوس بني آدم فإذا نزعوا نفس الكفار نزعوها بشدة، وهو مأخوذ من قولهم نزع في القوس فأغرق يقال : أغرق النازع في القوس إذا بلغ غاية المدى حتى ينتهي إلى النصل، فتقدير الآية : والنازعات إغراقاً، والغرق والإغراق في اللغة بمعنى واحد، وقوله :﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا﴾ النشط هو الجذب يقال : نشطت الدلو أنشطها وأنشطتها نشطاً نزعتها برفق، والمراد هي الملائكة التي تنشط روح المؤمن فتقبضها، وإنما خصصنا هذا بالمؤمن والأول بالكافر لما بين النزع والنشط من الفرق فالنزاع جذب بشدة، والنشط جذب برفق ولين فالملائكة، تنشط أرواح المؤمنين كما تنشط الدلو من البئر فالحاصل أن قوله :﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا﴾ قسم بملك الموت وأعوانه إلا أن الأول إشارة إلى كيفية قبض أرواح الكفار، والثاني إشارة إلى كيفية قبض أرواح المؤمنين، أما قوله :﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا﴾ فمنهم من خصصه أيضاً بملائكة قبض الأرواح، ومنهم من حمله على سائل طوائف الملائكة، أما الوجه الأول : فنقل عن علي عليه السلام، وابن عباس ومسروق، أن الملائكة يسلون أرواح المؤمنين سلاً رفيقاً، فهذا هو المراد من قوله :﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا﴾ ثم يتركونها حتى تستريح رويداً، ثم يستخرجونها بعد ذلك برفق ولطافة كالذي يسبح في الماء فإنه يتحرك برفق ولطافة لئلا يفرق، فكذا ههنا يرفقون في ذلك الاستخراج، لئلا يصل إليه ألم وشدة / فذاك هو المراد من قوله :﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا﴾ وأما الذين حملوه على سائر طوائف الملائكة فقالوا : إن الملائكة ينزلون من السماء مسرعين، فجعل نزولهم من السماء كالسباحة، والعرب تقول للفرس الجواد، إنه السابح، وأما قوله :﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا﴾
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٣٧
فمنهم من فسره بملائكة قبض الأرواح يسبقون بأرواح الكفار إلى النار، وبأرواح المؤمنين إلى الجنة، ومنهم من فسره بسائر طوائف الملائكة، ثم ذكروا في هذا السبق وجوهاً أحدها : قال مجاهد وأبو روق إن الملائكة سبقت ابن آدم بالإيمان والطاعة، ولا شك أن المسابقة في الخيرات درجة عظيمة قال تعالى :﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أولئك الْمُقَرَّبُونَ﴾ (الواقعة : ١٠) وثانيها : قال الفراء والزجاج : إن الملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء لأن الشياطين كانت تسترق السمع وثالثها : ويحتمل أن يكون المراد أنه تعالى وصفهم فقال :﴿لا يَسْبِقُونَه بِالْقَوْلِ﴾ (الأنبياء : ٢٧) يعني قبل الإذن لا يتحركون ولا ينطقون تعظيماً لجلال الله تعالى وخوفاً من هيبته، وههنا وصفهم بالسبق يعني إذا جاءهم اومر، فإنهم يتسارعون إلى امتثاله ويتبادرون إلى إظهار طاعته، فهذا هو المراد من قوله :﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا﴾، وأما قوله :﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾ فأجمعوا على أنهم هم الملائكة : قال مقاتل يعني جبريل وميكائيل، وإسرافيل وعزرائيل عليهم السلام يدبرون أمر الله تعالى في أهل الأرض، وهم المقسمات أمراً، أما جبريل فوكل بالرياح والجنود، وأما ميكائيل فوكل بالقطر والنبات، وأما ملك الموت فوكل بقبض الأنفس، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم/ وقوم منهم موكلون بحفظ بني آدم، وقوم آخرون بكتابة أعمالهم وقوم آخرون بالخسف والمسخ والرياح والسحاب والأمطار، بقي على الآية سؤالان :
السؤال الأول : لم قال :﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾، ولم يقل : أموراً فإنهم يدبرون أموراً كثيرة لا أمراً واحداً ؟
والجواب : أن المراد به الجنس، وإذا كان كذلك قام مقام الجمع.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٣٧