سورة التكوير
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٦٨
٦٩
اعلم أنه تعالى ذكر اثني عشر شيئاً، وقال : إذا وقعت هذه الأشياء فهنالك ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ﴾ (التكوير : ١٤) فالأول : قوله تعالى :﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ وفي التكوير وجهان أحدهما : التلفيف على جهة الاستدارة كتكوير العمامة، وفي الحديث "نعوذ بالله من الحور بعد الكور" أي من التشتت بعد الألفة والطي واللف، والكور والتكوير واحد، وسميت كارة القصار كارة لأنه يجمع ثيابه في ثوب واحد، ثم إن الشي الذي يلف لا شك أن يصير مختفياً عن الأعين، فعبر عن إزالة النور عن جرم الشمس وتصييرها غائبة عن الأعين بالتكوير، فلهذا قال بعضهم : كورت أي طمست، وقال آخرون : انكسفت، وقال الحسن : محى ضؤوها وقال المفضل بن سلمة : كورت أي ذهب ضؤوها، كأنها استترت في كارة الوجه الثاني : في التكوير يقال : كورت الحائط ودهورته إذا طرحته حتى يسقط، قال الأصمعي : يقال طعنه فكوره إذا صرعه، فقوله :﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ أي ألقيت ورميت عن الفلك وفيه قول ثالث : يروى عن عمر أنه لفظة مأخوذة من الفارسية، فإنه يقال للأعمى كور، وههنا سؤالان :
السؤال الأول : ارتفاع الشمس على الابتداء أو الفاعلية الجواب : بل على الفاعلية رافعها فعل مضمر، يفسره كورت لأن ﴿إِذَا﴾، يطلب الفعل لما فيه من معنى الشرط.
السؤال الثاني : روى أن الحسن جلس بالبصرة إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن فحدث عن أبي هريرة أنه عليه السلام، قال :"إن الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة، فقال الحسن، وما ذنبهما ؟
قال : إني أحدثك عن رسول الله" فسكت الحسن، والجواب : أن سؤال الحسن ساقط، لأن الشمس والقمر جمادان فإلقاؤهما في النار لا يكون سبباً لمضرتهما، ولعل ذلك يصير سبباً لازدياد الحر في جهنم، فلا يكون هذا الخبر على خلاف العقل / الثاني : قوله تعالى :
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٦٩
أي تناثرت وتساقطت كما قال تعالى :﴿وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ﴾ (الإنفطار : ٢) والأصل في الانكدار الانصباب، قال الخليل : يقال انكدر عليهم القوم إذا جاؤوا أرسالاً فانصبوا عليهم، قال الكلبي : تمطر السماء يومئذ نجوماً فلا يبقى نجم في السماء إلا وقع على وجه الأرض، قال عطاء : وذلك أنها في قناديل معلقة بين السماء والأرض بسلاسل من النور، وتلك السلاسل في أيدي الملائكة، فإذا مات من في السماء والأرض تساقطت تلك السلاسل من أيدي الملائكة. الثالث : قوله تعالى :
أي عن وجه الأرض كقوله :﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا﴾ (النبأ : ٢٠) أو في الهواء كقوله :﴿تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ (النمل : ٨٨). الرابع : قوله :
فيه قولان :
القول الأول : المشهور أن ﴿الْعِشَارُ﴾ جميع عشراء كالنفاس في جمع نفساء، وهي التي على حملها عشرة أشهر، ثم اسمها إلى أن تضع لتمام السنة، وهي أنفس ما يكون عند أهلها وأعزها عليهم، و﴿عُطِّلَتْ﴾ قال ابن عباس : أهملها أهلها لما جاءهم من أهوال يوم القيامة، وليس شيء أحب إلى العرب من النوق الحوامل، وخوطب العرب بأمر العشار لأن أكثر مالها وعيشها من الإبل. والغرض من ذلك ذهاب الأموال وبطلان الأملاك، واشتغال الناس بأنفسهم كما قال :﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (الشعراء : ٨٨ـ٩٨) وقال :﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ (الأنعام : ٩٤).
والقول الثاني : أن العشار كناية عن السحاب تعطلت عما فيها من الماء، وهذا وإن كان مجازاً إلا أنه أشبه بسائر ما قبله، وأيضاً فالعرب تشبه السحاب بالحامل، قال تعالى :﴿فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا﴾ (الذاريات : ٢).
الخامس : قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon