سورة الشمس
(خمس عشرة آية مكية
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٧٥
١٧٦
قبل الخوض في التفسير لا بد من مسائل :
المسألة الأولى : المقصود من هذه السورة الترغيب في الطاعات والتحذير من المعاصي.
واعلم أنه تعالى ينبه عباده دائماً بأن يذكر في القسم أنواع مخلوقاته المتضمنة للمنافع العظيمة حتى يتأمل المكلف فيها ويشكر عليها، لأن الذي يقسم الله تعالى به يحصل له وقع في القلب، فتكون الدواعي إلى تأمله أقوى.
المسألة الثانية : قد عرفت أن جماعة من أهل الأصول قالوا : التقدير ورب الشمس ورب سائر ما ذكره إلى تمام القسم، واحتج قوم على بطلان هذا المذاهب، فقالوا : إن في جملة هذا القسم قوله :﴿يَغْشَا هَا * وَالسَّمَآءِ وَمَا بَنَا هَا﴾ (الشمس : ٥) وذلك هو الله تعالى فيلزم أن يكون المراد، ورب السماء وربها وذلك كالمتناقض، أجاب القاضي عنه بأن قوله :﴿وَمَا بَنَا هَا﴾ لا يجوز أن يكون المراد منه هو الله تعالى، لأن ما لا تستعمل في خالق السماء إلا على ضرب من المجاز، ولأنه لا يجوز منه تعالى أن يقدم قسمه بغيره على قسمه بنفسه، ولأنه تعالى لا يكاد يذكر مع غيره على هذا الوجه، فإذاً لا بد من التأويل وهو أن ﴿مَآ﴾ مع ما بعده في حكم المصدر فيكون التقدير : والسماء وبنائها، اعترض صاحب "الكشاف" عليه فقال : لو كان الأمر على هذا الوجه لزم من عطف قوله :﴿فَأَلْهَمَهَا﴾ (الشمس : ٨) عليه فساد النظم.
المسألة الثالثة : القراء مختلفون في فواصل هذه السورة وما أشبهها نحو :﴿وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾، ﴿وَالضُّحَى * وَالَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾ فقرءوها تارة بالإمالة وتارة بالتفخيم وتارة بعضها بالإمالة وبعضهابالتفخيم، قال الفراء : بكسر ضحاها، والآيات التي بعدها وإن كان أصل بعضها الواو نحو : تلاها، وصحاها ودحاها، فكذلك أيضاً. فإنه لما بتدئت السورة بحرف الياء أتبعها بما هو من الواو لأن الألف المنقلبة عن الواو قد توافق المنقلبة عن الياء، ألا ترى أن تلوت وطحوت ونحوهما قد يجوز في أفعالها أن تنقلب إلى الياء نحو : تلى ودحى، فلما حصلت هذه الموافقة استجازوا إمالته / كما استجازوا إمالة ما كان من الياء، وأما وجه من ترك الإمالة مطلقاً فهو أن كثيراً من العرب لا يميلون هذه الألفات ولا ينحون فيها نحو الياء، ويقوى ترك الإمالة للألف أن الواو في موسر منقلبة عن الياء، والياء في ميقات وميزان منقلبة عن الواو ولم يلزم من ذلك أن يحصل فيه ما يدل على ذلك الانقلاب، فكذا ههنا ينبغي أن تترك الألف غير ممالة ولا ينحى بها نحو الياء، وأما إمالة البعض وترك إمال البعض، كما فعله حمزة فحسن أيضاً، وذلك لأن الألف إنما تمال نحو الياء لتدل على الياء إذا كان انقلابها عن الياء ولم يكن في تلاها وطحاها ودحاها ألف منقلبة عن الياء إنما هي منقلبة عن الواو بدلالة تلوت ودحوت.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٧٦
المسألة الرابعة : أن الله تعالى قد أقسم بسبعة أشياء إلى قوله :﴿قَدْ أَفْلَحَ﴾ (الشمس : ٩) وهو جواب القسم، قال الزجاج : المعنى لقد أفلح، لكن اللام حذفت لأن الكلام طال فصار طوله عوضاً منها.


الصفحة التالية
Icon