سورة التكاثر
ثمان آيات مكية
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٧٤
٢٧٧
﴿أَلْهَا كُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ فيه مسائل :
المسأة الأولى : الإلهاء الصرف إلى اللهو. واللهو الانصراف إلى ما يدعو إليه الهوى، ومعلوم أن الانصراف إلى الشيء يقتضي الإعراض عن غيره، فلهذا قال أهل اللغة : ألهاني فلان عن كذا أي أنساني وشغلني، ومنه الحديث :"أن الزبير كان سمع صوت الرعد لهى عن حديثه" أن تركه وأعرض عنه، وكل شيء تركته فقد لهيت عنه، والتكاثر التباهي بكثرة المال والجاه والمناقب يقال : تكاثر القوم تكاثراً إذا تعادلوا مالهم من كثرة المناقب، وقال أبو مسلم : التكاثر تفاعل عن الكثرة والتفاعل يقع على أحد وجوه ثلاثة يحتمل أن يكون بين الإثنين فيكون مفاعله، ويحتمل تكلف الفعل تقول : تكارهت على كذا إذا فعلته وأنت كاره، وتقول : تباعدت عن الأمر إذا تكلفت العمى عنه وتقول : تغافلت، ويحتمل أيضاً الفعل بنفسه كما تقول : تباعدت عن الأمر أي بعدت عنه، ولفظ التكاثر في هذه الآية ويحتمل الوجهين الأولين، فيحتمل التكاثر بمعنى المفاعلة لأنه كم من إثنين يقول كل واحد منهما لصاحبه :﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ ويحتمل تكلف الكثرة فإن الحريص يتكلف جميع عمره تكثير ماله، واعلم أن التفاخر والتكاثر شيء واحد ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿وَتَفَاخُرُا بَيْنَكُمْ﴾.
المسألة الثانية : اعلم أن التفاخر إنما يكون بإثبات الإنسان نوعاً من أنواع السعادة لنفسه، وأجناس السعادة ثلاثة :
فأحدها : في النفس والثانية : في البدن والثالثة : فيما يطيف بالبدن من خارج، أما التي في النفس فهي العلوم والأخلاق الفاضلة وهما المرادان بقوله حكاية عن إبراهيم :﴿رَبِّ هَبْ لِى حُكْمًا وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ﴾ وبهما ينال البقاء الأبدي والسعادة السرمدية.
وأما التي في البدن فهي الصحة والجمال وهي المرتبة الثانية، وأما التي تطيف بالبدن من خارج فقسمان : ة أحدهما : ضروري وهو المال والجاه والآخر غير ضروري وهو الأقرباء والأصدقاء / وهذا الذي عددناه في المرتبة الثالثة إنما يراد كله للبدن بدليل أنه إذا تألم عضو من أعضائه فإنه يجعل المال والجاه فداء له.


الصفحة التالية
Icon