سورة قريش
وهي أربع آيات مكية
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٢٩٨
٣٠١
﴿لايلَافِ قُرَيْشٍ * إِالَافِهِمْ﴾ اعلم أن ههنا مسائل :
المسألة الأولى : اللام في قوله :﴿لايلَافِ﴾ تحتمل وجوهاً ثلاثة، فإنها إما أن تكون متعلقة بالسورة التي قبلها أو بالآية التي بعدها، أولاً تكون متعلقة لا بما قبلها، ولا بما بعدها أما الوجه الأول : وهو أن تكون متعلقة بما قبلها، ففيه احتمالات :
الأول : وهو قول الزجاج وأبي عبيدة أن التقدير :﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُول ﴾ لإلف قريش أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش، وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف، فإن قيل : هذا ضعيف لأنهم إنما جعلوا :﴿كَعَصْفٍ مَّأْكُول ﴾ لكفرهم ولم يجعلوا كذلك لتأليف قريش، قلنا هذا السؤال ضعيف لوجوه أحدها : أنا لا نسلم أن الله تعالى إنما فعل بهم ذلك لكفرهم، فإن الجزاء على الكفر مؤخر للقيامة، قال تعالى :﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسا بِمَا كَسَبَتْ ﴾ وقال :﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ﴾ ولأنه تعالى لو فعل بهم ذلك لكفرهم، لكان قد فعل ذلك بجميع الكفار، بل إنما فعل ذلك بهم :﴿لايلَافِ قُرَيْشٍ﴾ ولتعظيم منصبهم وإظهار قدرهم وثانيها : هب أن زجرهم عن الكفر مقصود لكن لا ينافي كون شيء آخر مقصود حتى يكون الحكم واقعاً بمجموع الأمرين معاً وثالثها : هب أنهم أهلكوا لكفرهم فقط، إلا أن ذلك الإهلاك لما أدى إلى إيلاف قريش، جاز أن يقال : أهلكوا لإيلاف قريش، كقوله تعالى :﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ وهم لم يلتقطوه لذلك، لكن لما آل الأمر إليه حسن أن يمهد عليه الالتقاط.
الاحتمال الثاني : أن يكون التقدير :﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ كأنه تعالى قال : كل ما فعلنا بهم فقد فعلناه، لإيلاف قريش، فإنه تعالى جعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيراً أبابيل، حتى صاروا كعصف مأكول، فكل ذلك إنما كان لأجل إيلاف قريش.
الاحتمال الثالث : أن تكون اللام في قوله :﴿لايلَافِ﴾ بمعنى إلى كأنه قال : فعلنا كل ما فعلنا في السورة المتقدمة إلى نعمة أخرى عليهم وهي إيلافهم :﴿رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ﴾ تقول : نعمة الله نعمة ونعمة لنعمة سواء في المعنى، هذا قول الفراء : فهذه احتمالات ثلاثة توجهت على تقدير تعليق اللام بالسورة التي قبل هذه، وبقي من مباحث هذا القول أمران :
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٣٠١
الأول : أن للناس في تعليق هذه اللام بالسورة المتقدمة قولين : أحدهما : أن جعلوا السورتين سورة واحدة واحتجوا عليه بوجوه : أحدها : أن السورتين لا بد وأن تكون كل واحدة منهما مستقلة بنفسها، ومطلع هذه السورة لما كان متعلقاً بالسورة المتقدمة وجب أن لا تكون سورة مستقلة وثانيها : أن أبي بن كعب جعلهما في مصحفه سورة واحدة وثالثها : ما روى أن عمر قرأ في صلاة المغرب في الركعة الأولى والتين، وفي الثانية ألم تر ولإيلاف قريش معاً، من غير فصل بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم : القول الثاني : وهو المشهور المستفيض أن هذه السورة منفصلة عن سورة الفيل، وأما تعلق أول هذه السورة بما قبلها فليس بحجة على ما قالوه، لأن القرآن كله كالسورة الواحدة وكالآية الواحدة يصدق بعضها بعضاً ويبين بعضها معنى بعض، ألا ترى أن الآيات الدالة على الوعيد مطلقة، ثم إنها متعلقة بآيات التوبة وبآيات العفو عنه من يقول به، وقوله :﴿إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ﴾ متعلق بما قبله من ذكر القرآن، وأما قوله : إن أبياً لم يفصل بينهما فهو معارض بإطباق الكل على الفصل بينهما، وأما قراءة عمر فإنها لا تدل على أنهما سورة واحدة لأن الإمام قد يقرأ سورتين.


الصفحة التالية
Icon