سورة الكافرون
ست آيات مكية
اعلم أن هذه السورة تسمى سورة المنابذة وسورة الإخلاص والمقشقشة، وروى أن من قرأها فكأنما قرأ ربع القرآن، والوجه فيه أن القرآن مشتمل على الأمر بالمأمورات والنهي عن المحرمات، وكل واحد منهما ينقسم إلى ما يتعلق بالقلوب وإلى ما يتعلق بالجوارح وهذه السورة مشتملة على النهي عن المحرمات المتعلقة بأفعال القلوب فتكون ربعاً للقرآن والله أعلم.
جزء : ٣٢ رقم الصفحة : ٣٣٤
٣٣٤
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾.
اعلم أن قوله تعالى :﴿السَّمَآءَ كَطَىِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِا كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُه ا وَعْدًا عَلَيْنَآا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ * وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِنا بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الارْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِى هَاذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ ثم كان مأموراً بأن يدعو إلى الله بالوجه الأحسن :﴿الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ﴾ ولما كان الأمر كذلك، ثم إنه خاطبهم بيا أيها الكافرون فكانوا يقولون : كيف يليق هذا التعليظ بذلك الرفق فأجاب بأني مأمور بهذا الكلام لا أني ذكرته من عند نفسي فكان المراد من قوله : قل تقرير هذا المعنى وثانيها : أنه لما قيل له :﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقْرَبِينَ﴾ وهو كان يحب أقرباءه لقوله :﴿قُل لا أَسْاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى ﴾ فكانت القرابة ووحدة النسب كالمانع من إظهار الخشونة فأمر بالتصريح بتلك الخشونة والتغليظ فقيل له :﴿قُلْ﴾، وثالثها : أنه لما قيل له :﴿يَعْمَلُونَ * يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَا وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه ﴾ فأمر بتبليغ كل من أنزل عليه فلما قال الله تعالى له :﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ نقل هو عليه السلام هذا الكلام بجملته كأنه قال : إنه تعالى أمرني بتبليغ كل ما أنزل علي والذي أنزل علي هو مجموع قوله :﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ فأنا أيضاً أبلغه إلى الخلق هكذا ورابعها : أن الكفار كانوا مقرين بوجود الصانع، وأنه هو الذي خلقهم ورزقهم، على ما قال تعالى :﴿وَلَا ِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه ﴾ والعبد يتحمل من مولاه مالا يتحمله من غيره، فلو أنه عليه السلام قال ابتداء :﴿فَ أولئك هُمُ الْكَافِرُونَ﴾