قال :« و لأجل شرف ذكر اللّه عظمت رتبة الشّهادة، لأنّ المطلوب الخاتمة، ونعني بالخاتمة وداع الدنيا والقدوم على اللّه تعالى، والقلب مستغرق باللّه عز وجل، فلا يقدر على أن يموت على تلك الحالة إلا في صف القتال، فانه قطع الطّمع عن مهجته وأهله، وماله وولده، بل من الدنيا كلّها، فإنه يريدها لحياته. وقد هون على قلبه حياته في حب اللّه عز وجل، وطلب مرضاته، فلا تجرّد أعظم من ذلك، ولذلك عظم أمر الشّهادة.
و لما استشهد عبد اللّه بن عمرو الأنصاريّ يوم أحد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لجابر : ألا أبشّرك يا جابر؟ قال : بلى بشّرك اللّه بالخير، قال : إنّ اللّه أحيا أباك فأقعده بين يديه، وليس بينه وبينه حجاب ولا رسول. فقال تعالى : تمنّ عليّ يا عبدي، ما شئت أعطيكه.
فقال : يا ربّ! إن تردّني إلى الدنيا حتّى أقتل فيك وفي نبيّك مرّة أخرى. فقال اللّه عزّ وجل : سبق القضاء منّي بأنهم إليها لا يرجعون.
ثم القتل سبب الخاتمة على مثل هذه الحالة.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ٥٢٤
وصيّة عمر لبعض قوّاده :
و تعجبني دعوة عمر بن الخطاب إلى ذكر اللّه وخشيته، رجاء غوثه ورحمته، في وصية لبعض قواده :« أوصيك ومن معك من الأجناد بتقوى اللّه على كل حال، فإن تقوى اللّه أفضل العدّة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وأن تكون أنت ومن معك أشدّ احتراسا من المعاصي فيكم من عدوّكم، فإنّ ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، ولو لا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدّتنا كعدّتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإن لا ننصر عليهم بطاعتنا لم نغلبهم بقوتنا، واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من اللّه، يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، واسألوا اللّه العون على أنفسكم، كما تسألونه النصر على عدوكم ».
إعراب القرآن وبيانه، ج ٣، ص : ٥٢٥
(٨) سورة الأنفال
مدنيّة وآياتها خمس وسبعون