سورة مريم
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٨جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٩
١٦٩
اشتعال النار تفرقها في التهابها فصارت شعلاً. وقيل : شعاع النار. الشيب معروف، شاب شعره أبيّض بعدما كان بلون غيره. المخاض اشتداد وجع الولادة والطلق. الجذع ما بين الأرض التي فيها الشجرة منها وبين متشعب الأغصان، ويقال للغصن أيضاً جذع وجمعه أجذاع في القلة، وجذوع في الكثرة. السري المرتفع القدر، يقال سرو يسرو، ويجمع على سراة بفتح السين وسرواء وهما شاذان فيه، وقياسه أفعلاء. والسري النهر الصغير لأن الماء يسري فيه ولامه ياء كما أن لام ذلك واو. وقال لبيد :
فتوسطا عرض السري فصدّعامسجورة متحاوراً قلامها
أي جدولاً. الهز التحريك. الرطب معروف واحده رطبة، وجمع شاذاً على أرطاب كربع وأرباع وهو ما قطع قبل أن يشتد وييبس. الجني ما طاب وصلح للاجتناء. وقال أبو عمرو بن العلاء : لم يجف ولم ييبس. وقيل : الجنيّ ما ترطب من البسر. وقال الفراء : الجني والمجني واحد، وعنه الجني المقطوع. قرة العين : مأخوذ من القر، يقال : دمع الفرح بارد اللمس ودمع الحزن سخن اللمس. وقال أبو تمام :
فأما عيون العاشقين فأسخنتوأما عيون الشامتين فقرت
وقريش يقول : قررت به عيناً، وقررت بالمكان أقر وأهل نجد قررت به عيناً بالكسر. الفري العظيم من الأمر يستعمل في الخير وفي الشر، ومنه في وصف عمر : فلم أر عبقرياً يفري فريه، والفري القطع وفي المثل : جاء يفري الفري أي يعمل عظيماً من العمل قولاً أو فعلاً. وقال الزمخشري : الفري البديع وهو من فري الجلد. الإشارة معروفة تكون باليد والعين والثوب والرأس والفم، وأشار ألفه منقلبة عن ياء يقال : تشايرنا الهلال للمفاعلة. وقال كثير :
فقلت وفي الأحشاء داء مخامرألا حبذا يا عز ذاك التشاير
﴿كاهيعاصا * ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَا عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ * إِذْ نَادَى رَبَّه نِدَآءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنا بِدُعَآاِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبْ لِى مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَا وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَازَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُه يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّه مِن قَبْلُ سَمِيًّا * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَالِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْاًا * قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّى ءَايَةًا قَالَ ءَايَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِا مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا * يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍا وَءَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَواةًا وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرَّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٩
هذه السورة مكية كالسورة التي قبلها. وقال مقاتل : إلاّ آية السجدة فهي مدنية نزلت بعد مهاجرة المؤمنين إلى الحبشة. ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى ضمن السورة قبلها قصصاً عجباً كقصة أهل الكهف، وقصة موسى مع الخضر، وقصة ذي القرنين، وهذه السورة تضمنت قصصاً عجباً من ولادة يحيى بين شيخ فان وعجوز عاقر، وولادة عيسى من غير أب، فلما اجتمعا في هذا الشيء المستغرب ناسب ذكر هذه السورة بعد تلك، وتقدم الكلام في أول البقرة على هذه الحروف المقطعة التي في فواتح السور بما يوقف عليه هناك و﴿ذِكْرُ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي هذا المتلو من هذا القرآن ﴿ذِكْرُ﴾. وقيل ﴿ذِكْرُ﴾ خبر لقوله ﴿كاهيعاص﴾ وهو مبتدأ ذكره الفرّاء. قيل : وفيه بُعد لأن الخبر هو المبتدأ في المعنى وليس في الحروف المقطعة ذكر الرحمة، ولا في ذكر الرحمة معناها. وقيل :﴿ذِكْرُ﴾ مبتدأ والخبر محذوف تقديره فيما يتلى ﴿ذِكْرُ﴾.
وقرأ الجمهور كاف بإسكان الفاء. وروي عن الحسن ضمها، وأمال نافع هاء وياء بين اللفظين، وأظهر دال صاد عند ذاك. ﴿ذِكْرُ﴾ وقرأ الحسن بضم الهاء وعنه أيضاً ضم الياء وكسر الهاء، وعن عاصم ضم الياء وعنه كسرهما وعن حمزة فتح الهاء وكسر الياء. قال أبو عمرو الداني : معنى الضم في الهاء والياء إشباع التفخيم وليس بالضم الخالص الذي يوجب القلب. وقال أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن المقري الرازي في كتاب اللوامح في شواذ القراءات خارجة عن الحسن : كاف بضم الكاف، ونصر بن عاصم عنه بضم الهاء وهارون بن موسى العتكي عن إسماعيل عنه بالضم، وهذه الثلاث مترجم عليها بالضم ولسن مضمومات المحال في الحقيقة لأنهن لو كنّ كذلك لوجب قلب ما بعدهن من الألفات واوات بل نحيت هذه الألفات نحو الواو على لغة أهل الحجاز، وهي التي تسمى ألف التفخيم بضد الألف الممالة فأشبهت الفتحات التي تولدت منهن الضمات، وهذه الترجمة كما ترجموا عن الفتحة الممالة المقربة من الكسرة بكسرة لتقريب الألف بعدها من الياء انتهى.
وقرأ أبو جعفر بتقطيع هذه الحروف وتخليص بعضها من بعض فرقاً بينها وبين ما ائتلف من الحروف، فيصير أجزاء الكلم فاقتضين إسكان آخرهن، وأظهر الأكثرون دال صاد عند ذال ﴿ذِكْرُ﴾ وأدغمها أبو عمرو. وقرأ حفص عن عاصم وفرقة بإظهار النون من عين والجمهور على إخفائها.