سورة الجاثية
بسم الله الرحمن الرحيم
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١
٤١
﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّ فِى السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ لايَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ * وَفِى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الارْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ءَايَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
هذه السورة مكية، قال ابن عطية : بلا خلاف، وذكر الماوردي :﴿قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا يَغْفِرُوا ﴾ الآية، فمدنية نزلت في عمر بن الخطاب. قال ابن عباس، وقتادة، وقال النحاس، والمهدوي، عن ابن عباس : نزلت في عمر : شتمه مشرك بمكة قبل الهجرة، فأراد أن يبطش به، فنزلت. ومناسبة أولها لآخر ما قبلها في غاية الوضوح. قال :﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ﴾، وقال :﴿حما * تَنزِيلُ الْكِتَابِ﴾، وتقدم الكلام على ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾، أول الزمر. وقال أبو عبد الله الرازي : وقوله :﴿الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾، يجوز جعله صفة لله، فيكون ذلك حقيقة ؛ ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ﴾ صفة للكتاب، كان ذلك مجازاً ؛ والحقيقة أولى من المجاز، مع أن زيادة القرب توجب الرجحان. انتهى. وهذا الذي ردّد في قوله :﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ﴾ صفة للكتاب لا يجوز. لو كان صفة للكتاب لوليه، فكان يكون التركيب : تنزيل الكتاب العزيز الحكيم من الله، لأن من الله، إما أن يكون متعلقاً بتنزيل، وتنزيل خبر لحم، أو لمبتدأ محذوف، فلا يجوز الفصل به بين الصفة والموصوف، لا يجوز أعجبني ضرب زيد سوط الفاضل ؛ أو في موضع الخبر، وتنزيل مبتدأ، فلا يجوز الفصل بين الصفة والموصوف أيضاً، لا يجوز ضرب زيد شديد الفاضل، والتركيب الصحيح في نحو هذا أن يلي الصفة موصوفها.
﴿إِنَّ فِى السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ﴾، احتمل أن يريد : في خلق السموات، كقوله :﴿وَفِى خَلْقِكُمْ﴾، والظاهر أنه لا يراد التخصيص بالخلق، بل في السموات والأرض على الإطلاق والعموم، أي في أي شيء نظرت منهما من خلق وغيره، من تسخير وتنوير وغيرهما، ﴿لايَاتٍ﴾ : لم يأت بالآيات مفصلة، بل أتى بها مجملة، إحالة على غوامض يثيرها الفكر ويخبر بكثير منها الشرع. وجعلها ﴿لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾، إذ في ضمن الإيمان العقل والتصديق. ﴿وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ﴾، أي في غير جنسكم، وهو معطوف على :﴿وَفِى خَلْقِكُمْ﴾. ومن أجاز العطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض، أجاز في ﴿وَمَا يَبُثُّ﴾ أن يكون معطوفاً على الضمير ﴿وَفِى خَلْقِكُمْ﴾، وهو مذهب الكوفيين، ويونس، والأخفش ؛ وهو الصحيح، واختاره الأستاذ أبو علي الشلوبين. وقال الزمخشري : يقبح العطف عليه، وهذا تفريع على مذهب سيبويه وجمهور البصريين، قال : وكذلك أن أكدوه كرهوا أن يقولوا : مررت بك أنت وزيد. انتهى. وهذا يجيزه الجرمي والزيباري في الكلام، وقال :﴿لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ : وهم الذين لهم نظر يؤديهم إلى اليقين.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١
﴿وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ : تقدم الكلام على نظيره في سورة البقرة. وقرأ الجمهور : آيات، جمعاً بالرفع فيهما ؛ والأعمش، والجحدري، وحمزة، والكسائي، ويعقوب : بالنصب فيهما ؛ وزيد بن علي ؛ برفعهما على التوحيد. وقرأ أبي، وعبد الله : لآيات فيهما، كالأولى. فأما :﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ﴾ رفعاً ونصباً، فاستدل
٤٢
به وشبهه مما جاء في كلام الأخفش، ومن أخذ بمذهبه على عطف معمولي عاملين بالواو، وهي مسألة فيها أربعة مذاهب، ذكرناها في (كتاب التذييل والتكميل لشرح التسهيل). فأما ما يخص هذه الآية، فمن نصب آيات بالواو عطفت، واختلاف على المجرور بفي قبله وهو :﴿وَفِى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ﴾، وعطف آيات على آيات، ومن رفع فكذلك، والعاملان أولاهما إن وفي، وثانيهما الابتداء وفي. وقال الزمخشري : أقيمت الواو مقامهما، فعملت الجر، واختلاف الليل والنهار والنصب في آيات، وإذا رفعت والعاملان الابتداء، وفي عملت الرفع للواو ليس بصحيح، لأن الصحيح من المذاهب أن حرف العطف لا يعمل ؛ ومن منع العطف على مذهب الأخفش، أضمر حرف الجر فقدر. وفي اختلاف، فالعمل للحرف مضمراً، ونابت الواو مناب عامل واحد ؛ ويدل على أن في مقدرة قراءة عبد الله : وفي اختلاف، مصرحاً وحسن حذف في تقدمها في قوله :﴿وَفِى خَلْقِكُمْ﴾ ؛ وخرج أيضاً النصب في آيات على التوكيد لآيات المتقدمة، ولإضمار حرف في وقرىء واختلاف بالرفع على خبر مبتدأ محذوف، أي هي آيات ولإضمار حرف أيضاً. وقرأ : واختلاف الليل والنهار آية بالرفع في اختلاف، وفي آية موحدة ؛ وكذلك ﴿وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ﴾. وقرأ زيد بن علي، وطلحة، وعيسى :﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾.