سورة الأحقاف
مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥١
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢
٥٢
الحقف : رمل مستطيل مرتفع فيه اعوجاج وانحناء، ومنه احقوقف الشيء : اعوج. قال امرؤ القيس :
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحىبنا بطن حقف ذي ركام عقنقل
عنى بالأمر : إذا لم تعرف جهته، ويجوز فيه الإدغام فتقول : عي، كما قلت في حيي : حي. قال الشاعر :
عيوا بأمرهم كما
عيت ببيضتها الحمامه
﴿حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّآ أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ * قُلْ أَرَءَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِى مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الارْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى السَّمَاوَاتِ ائْتُونِى بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُوا مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآءِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾.
هذه السورة مكية. وعن ابن عباس وقتادة، أن :﴿قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾. و﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ﴾، الآيتين مدنيتان. ومناسبة أولها لما قبلها، أن في آخر ما قبلها :﴿ذَالِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ ءَايَاتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾، وقلتم : إنه عليه الصلاة والسلام اختلقها، فقال تعالى :﴿حما * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾. وهاتان الصفتان هما آخر تلك، وهما أول هذه. ﴿وَأَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ : أي موعد لفساد هذه البنية. قال ابن عباس : هو القيامة ؛ وقال غيره : أي أجل كل ملخوق. ﴿عَمَّآ أُنذِرُوا ﴾ : يحتمل أن تكون ما مصدرية، وأن تكون بمعنى الذي. ﴿قُلْ أَرَءَيْتُم مَّا تَدْعُونَ﴾ : معناه أخبروني عن الذين تدعون من دون الله، وهي الأصنام. ﴿أَرُونِى مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الارْضِ﴾ : استفهام توبيخ، ومفعول أرأيتم الأول هو ما تدعون. وماذا خلقوا : جملة استفهامية يطلبها أرأيتم، لأن مفعولها الثاني يكون استفهاماً، ويطلبها أروني على سبيل التعليق، فهذا من باب الإعمال، أعمل الثاني وحذف مفعول أرأيتم الثاني. ويمكن أن يكون أروني توكيداً لأرأيتم، بمعنى أخبروني، وأروني : أخبروني، كأنهما بمعنى واحد.
٥٤
وقال ابن عطية : يحتمل أرأيتم وجهين : أحدهما : أن تكون متعدية، وما مفعولة بها ؛ ويحتمل أن تكون أرأيتم منبهة لا تتعدى، وتكون ما استفهاماً على معنى التوبيخ، وتدعون معناه : تعبدون. انتهى. وكون أرأيتم لا تتعدى، وأنها منبهة، فيه شيء ؛ قاله الأخفش في قوله :﴿قَالَ أَرَءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصَّخْرَةِ﴾. والذي يظهر أن ما تدعون مفعول أرأيتم، كما هو في قوله :﴿قُلْ أَرَءَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ﴾ في سورة فاطر ؛ وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة فيها. وقد أمضى الكلام في أرأيتم في سورة الأنعام، فيطالع هناك : و﴿مِّنَ الارْضِ﴾، تفسير للمبهم في :﴿مَاذَا خَلَقُوا ﴾. والظاهر أنه يريد من أجزاء الأرض، أي خلق ذلك إنما هو لله، أو يكون على حذف مضاف، أي من العالي على الأرض، أي على وجهها من حيوان أو غيره. ثم وقفهم على عبارتهم فقال :﴿أَمْ لَهُمْ﴾ : أي : بل.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢
﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى السَّمَاوَاتِ ائْتُونِى بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَاذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ : أي من قبل هذا الكتاب، وهو القرآن، يعني أن هذا القرآن ناطق بالتوحيد وبإبطال الشرك، وكل كتب الله المنزلة ناطقة بذلك ؛ فطلب منهم أن يأتوا بكتاب واحد يشهد بصحة ما هم عليه من عبادة غير الله. ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ﴾، أي بقية من علم، أي من علوم الأولين، من قولهم : سمنت الناقة على أثارة من شحم، أو على بقية شحم كانت بها من شحم ذاهب. والأثارة تستعمل في بقية الشرف ؛ يقال : لبني فلان أثارة من شرف، إذا كانت عندهم شواهد قديمة، وفي غير ذلك قال الراعي :
وذات أثارة أكلت علينا نباتاً في أكمته قفارا
أي : بقية من شحم. وقرأ الجمهور : أو أثارة، وهو مصدر، كالشجاعة والسماحة، وهي البقية من الشيء، كأنها أثرة. وقال الحسن : المعنى : من علم استخرجتموه فتثيرونه. وقال مجاهد : المعنى : هل من أحد يأثر علماً في ذلك ؟ وقال القرطبي : هو الإسناد، ومنه قول الأعشى :
إن الذي فيه تماريتمابين للسامع والآثر
أي : وللمستدعين غيره ؛ ومنه قول عمر رضي الله عنه : فما خلفت به ذاكراً ولا آثراً. وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن، وقتادة : المعنى : أو خاصة من علم، فاشتقاقها من الأثرة، فكأنها قد آثر الله بها من هي عنده. وقال ابن عباس : المراد بالأثارة : الخط في التراب، وذلك شيء كانت العرب تفعله وتتكهن به وتزجر تفسيره. الأثارة بالخط يقتضي تقوية أمر الخط في التراب، وأنه شيء ليس له وجه إذاية وقف أحد إليه. وقيل : إن صح تفسير ابن عباس الإثارة بالخط في التراب، كان ذلك من باب التهكم بهم وبأقوالهم ودلائلهم. وقرأ علي، وابن عباس : بخلاف عنهما، وزيد بن علي، وعكرمة، وقتادة، والحسن، والسلمي، والأعمش، وعمرو بن ميمون : أو أثرة بغير ألف، وهي واحدة، جمعها أثر ؛ كقترة وقتر ؛ وعلي، والسلمي، وقتادة أيضاً : بإسكان الثاء، وهي الفعلة الواحدة مما يؤثر، أي قد قنعت لكم بخبر واحد وأثر واحد يشهد بصحة قولكم. وعن الكسائي : ضم الهمزة وإسكان الثاء. وقال ابن خالويه، وقال الكسائي على لغة أخرى : إثرة وأثرة يعني بكسر الهمزة وضمها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢


الصفحة التالية
Icon