سورة الواقعة
مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٩٨
رجت الأرض : زلزلت وحركت تحريكاً شديداً بحيث تنهدم الأبنية وتخر الجبال. بست الجبال : فتتت، وقيل : سيرت، من قولهم : بس الغنم : ساقها، ويقال : رجت الأرض وبست الجبال لازمين. المشأمة : من الشؤم، أو من اليد الشؤمى، وهي الشمال. الثلاثة : الجماعة، كثرت أو قلت. وقال الزمخشري : الأمّة من الناس الكثيرة، وقال الشاعر :
وجاءت إليهم ثلاثة خندفيةبجيش كتيار من السيل مزبد
الموضونة : المنسوجة بتركيب بعض أجزائها على بعض، كحلق الدرع. قال الأعشى :
ومن نسج داود موضونةتسير مع الحي عيراً فعيرا
ومنه : وضين الناقة، وهو خزامها، لأنه موضون : أي مفتول. قال الراجز :
إليك تغدو قلقاً وضينهامعترضاً في بطنها جنينها
مخالفاً دين النصارى دينها
الإبريق : إفعيل من البريق، وهو إناء للشرب له خرطوم. قيل : وأذن، وهو من أواني الخمر عند العرب، قال الشاعر :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠٠
كأن إبريقهم ظبي على شرفمقدّم فسبا الكتان ملثوم
وقال عدي بن زيد :
٢٠٠
وندعو إلى الصباح فجاءتقينة في يمينها إبريق
صدع القوم بالخمر : لحقهم الصداع في رؤوسهم منها. وقيل : صدعوا : فرقوا. السدر : تقدّم الكلام عليه في سورة سبأ. المخضود : المقطوع شوكه. قال أمية بن أبي الصلت :
إن الحدائق في الجنان ظليلةفيها الكواعب سدرها مخضود
الطلح : شجر الموز، وقيل : شجر من العضاة كثير الشوك. المسكوب : المصبوب. العروب : المتحببة إلى زوجها. الترب : اللذة، وهو من يولد هو وآخر في وقت واحد، سميا بذلك لمسهما التراب في وقت واحد، والله تعالى أعلم.
﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الارْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنابَثًّا * وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْاَمَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوالَئاِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِى جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الاوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الاخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ * مُّتَّكِاِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُواِ الْمَكْنُونِ * جَزَآءَا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلا قِيلا سَلَامًا سَلَامًا * وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ * إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الاوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الاخِرِينَ﴾. هذه السورة مكية، ومناسبتها لما قبلها تضمن العذاب للمجرمين، والنعيم للمؤمنين. وفاضل بين جنتي بعض المؤمنين وجنتي بعض بقوله :﴿وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾، فانقسم العالم بذلك إلى كافر ومؤمن مفضول ومؤمن فاضل ؛ وهكذا جاء ابتداء هذه السورة من كونهم أصحاب ميمنة، وأصحاب مشأمة، وسباق وهم المقربون، وأصحاب اليمين والمكذبون المختتم بهم آخر هذه السورة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠٠
وقال ابن عباس : الواقعة من أسماء القيامة، كالصاخة والطامّة والآزفة، وهذه الأسماء تقتضي عظم شأنها، ومعنى ﴿وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ : أي وقعت التي لا بد من وقوعها، كما تقول : حدثت الحادثة، وكانت الكائنة ؛ ووقوع الأمر نزوله، يقال : وقع ما كنت أتوقعه : أي نزل ما كنت أترقب نزوله. وقال الضحاك :﴿الْوَاقِعَةُ﴾ : الصيحة، وهي النفخة في الصور. وقيل :﴿الْوَاقِعَةُ﴾ : صخرة بيت المقدس تقع يوم القيامة. والعامل في إذا الفعل بعدها على ما قررناه في كتب النحو، فهو في موضع خفض
٢٠٢
بإضافة إذا إليها احتاج إلى تقدير عامل، إذ الظاهر أنه ليس ثم جواب ملفوظ به يعمل بها. فقال الزمخشري : فإن قلت : بم انتصب إذا ؟ قلت : بليس، كقولك : يوم الجمعة ليس لي شغل، أو بمحذوف يعني : إذا وقعت، كان كيت وكيت، أو بإضمار أذكر. انتهى.
أما نصبها بليس فلا يذهب نحوي ولا من شدا شيئاً من صناعة الإعراب إلى مثل هذا، لأن ليس في النفي كما، وما لا تعمل، فكذلك ليس، وذلك أن ليس مسلوبة الدلالة على الحدث والزمان. والقول بأنها فعل هو على سبيل المجاز، لأن حد الفعل لا ينطبق عليها. والعامل في الظرف إنما هو ما يقع فيه من الحدث، فإذا قلت : يوم الجمعة أقوم، فالقيام واقع في يوم الجمعة، وليس لا حدث لها، فكيف يكون لها عمل في الظرف ؟ والمثال الذي شبه به، وهو يوم القيامة، ليس لي شغل، لا يدل على أن يوم الجمعة منصوب بليس، بل هو منصوب بالعامل في خبر ليس، وهو الجار والمجرور، فهو من تقديم معمول الخبر على ليس، وتقديم ذلك مبني على جواز تقديم الخبر الذي لليس عليها، وهو مختلف فيه، ولم يسمع من لسان العرب : قائماً ليس زيد. وليس إنما تدل على نفي الحكم الخبري عن الخبري عن المحكوم عليه فقط، فهي كما، ولكنه لما اتصلت بها ضمائر الرفع، جعلها ناس فعلاً، وهي في الحقيقة حرف نفي كما النافية.


الصفحة التالية
Icon